للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَلْعَتَيِ الْعَقْرَ وَشُوشَ، وَهَمَّا بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَوْصِلِ فَكَانَ تَارَةً يَكُونُ بِالْمَوْصِلِ، وَتَارَةً بِوِلَايَتِهِ، مُتَجَنِّيًا لِكَثْرَةِ تَلَوُّنِهِ، وَكَانَ بِقَلْعَةِ الْعِمَادِيَّةِ مُسْتَحْفِظٌ مِنْ مَمَالِيكِ جَدِّهِ عِزِّ الدِّينِ مَسْعُودِ بْنِ مَوْدُودٍ، قِيلَ إِنَّهُ جَرَى لَهُ مَعَ زَنْكِي مُرَاسَلَاتٌ فِي مَعْنَى تَسْلِيمِ الْعِمَادِيَّةِ إِلَيْهِ، فَنَمَى الْخَبَرُ بِذَلِكَ إِلَى بَدْرِ الدِّينِ، فَبَادَرَهُ بِالْعَزْلِ مَعَ أَمِيرٍ كَبِيرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْجُنْدِ لَمْ يُمْكِنْهُ الِامْتِنَاعُ، وَسَلَّمَ الْقَلْعَةَ إِلَى نَائِبِ بَدْرِ الدِّينِ كَذَلِكَ، وَجَعَلَ بَدْرُ الدِّينِ فِي غَيْرِ الْعِمَادِيَّةِ مِنَ الْقِلَاعِ نُوَّابًا لَهُ.

وَكَانَ نُورُ الدِّينِ بْنُ الْقَاهِرِ لَا يَزَالُ مَرِيضًا مِنْ جُرُوحٍ كَانَتْ بِهِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَمْرَاضِ، وَكَانَ يَبْقَى الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ لَا يَرْكَبُ، وَلَا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ فَأَرْسَلَ زَنْكِي إِلَى مَنْ بِالْعِمَادِيَّةِ مِنَ الْجُنْدِ يَقُولُ: إِنَّ ابْنَ أَخِي تُوُفِّيَ، وَيُرِيدُ بَدْرُ الدِّينِ أَنْ يَمْلِكَ الْبِلَادَ، وَأَنَا أَحَقُّ بِمُلْكِ آبَائِي وَأَجْدَادِي، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى اسْتَدْعَاهُ الْجُنْدُ مِنْهَا، وَسَلَّمُوا إِلَيْهِ، ثَامِنَ عَشَرَ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَقَبَضُوا عَلَى النَّائِبِ الْبَدْرِيِّ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ.

فَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى بَدْرِ الدِّينِ لَيْلًا فَجَدَّ فِي الْأَمْرِ، وَنَادَى فِي الْعَسْكَرِ لِوَقْتِهِ بِالرَّحِيلِ، فَسَارُوا مُجِدِّينَ إِلَى الْعِمَادِيَّةِ وَبِهَا زَنْكِي لِيَحْصُرُوهُ فِيهَا، فَلَمْ يَطْلُعِ الصُّبْحُ إِلَّا وَقَدْ فَرَغَ مِنْ تَسْيِيرِ الْعَسَاكِرِ، فَسَارُوا إِلَى الْعِمَادِيَّةِ وَحَصَرُوهَا، وَكَانَ الزَّمَانُ شِتَاءً، وَالْبَرْدُ شَدِيدٌ، وَالثَّلْجُ هُنَاكَ كَثِيرٌ، فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قِتَالِ مَنْ بِهَا، لَكِنَّهُمْ أَقَامُوا يَحْصُرُونَهَا، وَقَامَ مُظَفَّرُ الدِّينِ كُوكُبْرِي بْنُ زَيْنِ الدِّينِ، صَاحِبُ إِرْبِلَ، فِي نَصْرِ عِمَادِ الدِّينِ، وَتَجَرَّدَ لِمُسَاعَدَتِهِ، فَرَاسَلَهُ بَدْرُ الدِّينِ يُذَكِّرُهُ الْأَيْمَانَ وَالْعُهُودَ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْمَوْصِلِ، وَمِنْهَا قِلَاعُ الْهَكَّارِيَّةِ وَالزَّوْزَانِ بِأَسْمَائِهَا، وَمَتَى تَعَرَّضَ إِلَيْهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، مَنْ كَانَ، مَنَعَهُ بِنَفْسِهِ وَعَسَاكِرِهِ، وَأَعَانَ نُورَ الدِّينِ وَبَدْرَ الدِّينِ عَلَى مَنْعِهِ، وَيُطَالِبُهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا.

ثُمَّ نَزَلَ عَنْ هَذَا، وَرَضِيَ مِنْهُ بِالسُّكُوتِ لَا لَهُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَأَظْهَرَ مُعَاضَدَةَ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِي، فَحِينَئِذٍ لَمْ يُمْكِنْ مُكَاثَرَةُ زَنْكِي بِالرِّجَالِ وَالْعَسَاكِرِ لِقُرْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>