هَذَا الْخَصْمَ مِنَ الْمَوْصِلِ وَأَعْمَالِهَا، إِلَّا أَنَّ الْعَسْكَرَ الْبَدْرِيَّ مُحَاصِرٌ لِلْعِمَادِيَّةِ وَبِهَا زَنْكِي.
ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ مِنْ عَسْكَرِ الْمَوْصِلِ، مِمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ، وَكَانَ شُجَاعًا وَهُوَ جَدِيدُ الْإِمَارَةِ أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ شَجَاعَتَهُ لِيَزْدَادَ بِهَا تَقَدُّمًا، أَشَارَ عَلَى مَنْ هُنَاكَ مِنَ الْعَسْكَرِ بِالتَّقَدُّمِ إِلَيْهَا، وَمُبَاشَرَتِهَا بِالْقِتَالِ، وَكَانُوا قَدْ تَأَخَّرُوا عَنْهَا شَيْئًا يَسِيرًا لِشِدَّةِ الْبَرْدِ وَالثَّلْجِ، فَلَمْ يُوَافِقُوهُ، وَقَبَّحُوا رَأْيَهُ، فَتَرَكَهُمْ وَرَحَلَ مُتَقَدِّمًا إِلَيْهِمْ لَيْلًا، فَاضْطَرُّوا إِلَى اتِّبَاعِهِ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ أَذًى يُصِيبُهُ وَمَنْ مَعَهُ، فَسَارُوا إِلَيْهِ عَلَى غَيْرِ تَعْبِئَةٍ لِضِيقِ الْمَسْلَكِ، وَلِأَنَّهُ أَعْجَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَحُكْمِ الثَّلْجِ عَلَيْهِمْ أَيْضًا.
فَسَمِعَ زَنْكِي وَمِنْ مَعَهُ، فَنَزَلُوا، وَلَقُوا أَوَائِلَ النَّاسِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ أَخْبَرُ بِشِعَابِهَا، فَلَمْ يَثْبُتُوا لَهُمْ، وَانْهَزَمُوا وَعَادُوا إِلَى مَنْزِلَتِهِمْ، وَلَمْ يَقِفِ الْعَسْكَرُ عَلَيْهِمْ، فَاضْطَرُّوا إِلَى الْعَوْدِ فَلَمَّا عَادُوا رَاسَلَ زَنْكِي بَاقِي قِلَاعِ الْهَكَّارِيَّةِ وَالزَّوْزَانِ، وَاسْتَدْعَاهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ، فَأَجَابُوهُ، وَسَلَّمُوا إِلَيْهِ، فَجَعْلَ فِيهَا الْوُلَاةَ، وَتَسَلَّمَهَا وَحَكَمَ فِيهَا.
ذِكْرُ اتِّفَاقِ بَدْرِ الدِّينِ مَعَ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ
لِمَا رَأَى بَدْرُ الدِّينِ خُرُوجَ الْقِلَاعِ عَنْ يَدِهِ، وَاتِّفَاقَ مُظَفَّرِ الدِّينِ وَعِمَادِ الدِّينِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنْفَعْ مَعَهُمَا اللِّينُ وَلَا الشِّدَّةُ، وَأَنَّهُمَا لَا يَزَالَانِ يَسْعَيَانِ فِي أَخْذِ بِلَادِهِ، وَيَتَعَرَّضَانِ إِلَى أَطْرَافِهَا بِالنَّهْبِ وَالْأَذَى، أَرْسَلَ إِلَى الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ مُوسَى ابْنِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ، وَهُوَ صَاحِبُ دِيَارِ الْجَزِيرَةِ كُلِّهَا، إِلَّا الْقَلِيلَ، وَصَاحِبُ خِلَاطَ وَبِلَادِهَا، يَطْلُبُ مِنْهُ الْمُوَافَقَةَ وَالْمُعَاضَدَةَ، وَانْتَمَى إِلَيْهِ، وَصَارَ فِي طَاعَتِهِ مُنْخَرِطًا فِي سِلْكِ مُوَافَقَتِهِ، فَأَجَابَهُ الْأَشْرَفُ بِالْقَبُولِ لِذَلِكَ، وَالْفَرَحِ بِهِ وَالِاسْتِبْشَارِ، وَبَذَلَ لَهُ الْمُسَاعَدَةَ وَالْمُعَاضَدَةَ، وَالْمُحَارَبَةَ دُونَهُ، وَاسْتِعَادَةَ مَا أُخِذَ مِنَ الْقِلَاعِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ.
وَكَانَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ حِينَئِذٍ بِحَلَبَ، نَازِلًا بِظَاهِرِهَا، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعَرُّضِ كِيكَاوُسَ، مَلِكِ بِلَادِ الرُّومِ الَّتِي بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ، قُونِيَةَ وَغَيْرِهَا، إِلَى أَعْمَالِهَا، وَمُلْكِهِ بَعْضَ قِلَاعِهَا، فَأَرْسَلَ إِلَى مُظَفَّرِ الدِّينِ يُقَبِّحُ هَذِهِ الْحَالَةَ، وَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ تَقَرَّرَتْ بَيْنَ جَمِيعِنَا بِحُضُورِ رُسُلِكِ، وَإِنَّنَا نَكُونُ عَلَى النَّاكِثِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ الْحَقُّ، وَلَا بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ مَا أُخِذَ مِنْ بَلَدِ الْمَوْصِلِ لِنَدُومَ عَلَى الْيَمِينِ الَّتِي اسْتَقَرَّتْ بَيْنَنَا، فَإِنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute