امْتَنَعْتَ، وَأَصْرَرْتَ عَلَى مُعَاضَدَةِ زَنْكِي وَنُصْرَتِهِ، فَأَنَا أَجِيءُ بِنَفْسِي وَعَسَاكِرِي، وَأَقْصِدُ بِلَادَكَ وَغَيْرَهَا، وَأَسْتَرِدُّ مَا أَخَذْتُمُوهُ، وَأُعِيدُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَالْمَصْلَحَةُ أَنَّكَ تُوَافِقُ، وَتَعُودُ إِلَى الْحَقِّ ; لِنَجْعَلَ شُغْلَنَا جَمْعَ الْعَسَاكِرِ، وَقَصْدَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَإِجْلَاءِ الْفِرِنْجِ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْظُمَ خَطْبُهُمْ وَيَسْتَطِيرَ شَرُّهُمْ.
فَلَمْ تَحْصُلِ الْإِجَابَةُ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ نَاصِرُ الدِّينِ مَحْمُودٌ، صَاحِبُ الْحِصْنِ وَآمِدَ، قَدِ امْتَنَعَ عَنْ مُوَافَقَةِ الْأَشْرَفِ، وَقَصَدَ بَعْضَ بِلَادِهِ وَنَهَبَهَا، وَكَذَلِكَ صَاحَبُ مَارِدِينَ، وَاتَّفَقَا مَعَ مُظَفَّرِ الدِّينِ، فَلَمَّا رَأَى الْأَشْرَفُ ذَلِكَ جَهَّزَ عَسْكَرًا وَسَيَّرَهُ إِلَى نَصِيبِينَ نَجْدَةً لِبَدْرِ الدِّينِ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِمْ.
ذِكْرُ انْهِزَامِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِي مِنَ الْعَسْكَرِ الْبَدْرِيِّ
لَمَّا عَادَ الْعَسْكَرُ الْبَدْرِيُّ مِنْ حِصَارِ الْعِمَادِيَّةِ وَبِهَا زَنْكِي، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، قَوِيَتْ نَفْسُهُ، وَفَارَقَهَا، وَعَادَ إِلَى قَلْعَةِ الْعَقْرِ الَّتِي لَهُ لِيَتَسَلَّطَ عَلَى أَعْمَالِ الْمَوْصِلِ بِالصَّحْرَاءِ، فَإِنَّ بَلَدَ الْجَبَلِ كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ، وَأَمَدَّهُ مُظَفَّرُ الدِّينِ بِطَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ.
فَلَمَّا اتَّصَلَ الْخَبَرُ بِبَدْرِ الدِّينِ سَيَّرَ طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِهِ إِلَى أَطْرَافِ بَلَدِ الْمَوْصِلِ يَحْمُونَهَا، فَأَقَامُوا عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنَ الْمَوْصِلِ، ثُمَّ إِنَّهُمُ اتَّفَقُوا بَيْنَهُمْ عَلَى الْمَسِير إِلَى زَنْكِي، وَهُوَ عِنْدَ الْعَقْرِ فِي عَسْكَرِهِ، وَمُحَارَبَتِهِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْخُذُوا أَمْرَ بَدْرِ الدِّينِ بَلْ أَعْلَمُوهُ بِمَسِيرِهِمْ جَرِيدَةً لَيْسَ مَعَهُمْ إِلَّا سِلَاحُهُمْ، وَدَوَابٌّ يُقَاتِلُونَ عَلَيْهَا، فَسَارُوا لَيْلَتَهُمْ، وَصَبَّحُوا زَنْكِي بُكْرَةَ الْأَحَدِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا تَحْتَ الْعَقْرِ، وَعَظُمَ الْخَطْبُ بَيْنَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْعَسْكَرِ الْبَدْرِيِّ، فَانْهَزَمَ عِمَادُ الدِّينِ وَعَسْكَرُهُ، وَسَارَ إِلَى إِرْبِلَ مُنْهَزِمًا، وَعَادَ الْعَسْكَرُ الْبَدْرِيُّ إِلَى مَنْزِلَتِهِ الَّتِي كَانَ بِهَا، وَحَضَرَتِ الرُّسُلُ مِنَ الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ وَمِنَ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ فِي تَجْدِيدِ الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحُوا، وَتَحَالَفُوا بِحُضُورِ الرُّسُلِ.
ذِكْرُ وَفَاةِ نُورِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ وَمُلْكِ أَخِيهِ
وَلَمَّا تَقَرَّرَ الصُّلْحُ تُوُفِّيَ نُورُ الدِّينِ أَرَسْلَان شَاهْ ابْنُ الْمَلِكِ الْقَاهِرِ صَاحِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute