إِلَى الْمَيْسَرَةِ، وَالْخَصْمُ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ، فَمَنَعَهُ بَدْرُ الدِّينِ، وَقَالَ مَتَى انْتَقَلْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ فِي هَذَا اللَّيْلِ، رُبَّمَا ظَنَّهُ النَّاسُ هَزِيمَةً فَلَا يَقِفُ أَحَدٌ، فَأَقَامَ بِمَكَانِهِ، وَهُوَ بِجَمْعٍ كَبِيرٍ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَلَمَّا انْتَصَفَ اللَّيْلُ سَارَ أَيْبَكُ، فَأَمَرَهُ بَدْرُ الدِّينِ بِالْمُقَامِ إِلَى الصُّبْحِ لِقُرْبِ الْعَدُوِّ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَقْبَلْ لِجَهْلِهِ بِالْحَرْبِ، فَاضْطَرَّ النَّاسُ لِاتِّبَاعِهِ، فَتَقَطَّعُوا فِي اللَّيْلِ وَالظُّلْمَةِ وَالْتَقَوْا هُمْ وَالْخَصْمُ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ عَلَى ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ مِنَ الْمَوْصِلِ، فَأَمَّا عِزُّ الدِّينِ فَإِنَّهُ تَيَامَنَ وَالْتَحَقَ بِالْمَيْمَنَةِ وَحَمَلَ فِي اطِّلَابِهِ هُوَ وَالْمَيْمَنَةُ عَلَى مَيْسَرَةِ مُظَفَّرِ الدِّينِ فَهَزَمَهَا وَبِهَا زَنْكِي.
وَكَانَ الْأَمِيرُ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَى الْمَيْمَنَةِ قَدْ أَبْعَدَ عَنْهَا، فَلَمْ يُقَاتِلْ، فَلَمَّا رَأَى أَيْبَكَ قَدْ هَزَمَ الْمَيْسَرَةَ تَبِعَهُ وَالْتَحَقَ بِهِ، وَانْهَزَمَتْ مَيْسَرَةُ بَدْرِ الدِّينِ، فَبَقِيَ هُوَ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ مَعَهُ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ مُظَفَّرُ الدِّينِ فِيمَنْ مَعَهُ فِي الْقَلْبِ لَمْ يَتَفَرَّقُوا فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُقُوفُ فَعَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَعَبَرَ دِجْلَةَ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَنَزَلَ مِنْهَا إِلَى الْبَلَدِ، فَلَمَّا رَآهُ النَّاسُ فَرِحُوا بِهِ، وَسَارُوا مَعَهُ، وَقَصَدَ بَابَ الْجِسْرِ، وَالْعَدُوُّ بِإِزَائِهِ، بَيْنَهُمَا دِجْلَةُ، فَنَزَلَ مُظَفَّرُ الدِّينِ فِيمَنْ سَلِمَ مَعَهُ مِنْ عَسْكَرِهِ وَرَاءَ تَلِّ حِصْنِ نِينَوَى، فَأَقَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
فَلَمَّا رَأَى اجْتِمَاعَ الْعَسْكَرِ الْبَدْرِيِّ بِالْمَوْصِلِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يُفْقَدْ مِنْهُمْ إِلَّا الْيَسِيرُ، وَبَلَغَهُ الْخَبَرُ أَنَّ بَدْرَ الدِّينِ يُرِيدُ الْعُبُورَ إِلَيْهِ لَيْلًا بِالْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ، عَلَى الْجُسُورِ وَفِي السُّفُنِ، وَيَكْبِسُهُ، رَحَلَ لَيْلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضْرِبَ كُوسًا أَوْ بُوقًا، وَعَادُوا نَحْوَ إِرْبِلَ، فَلَمَّا عَبَرُوا الزَّابَ نَزَلُوا، ثُمَّ جَاءَتِ الرُّسُلُ وَسَعَوْا فِي الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ هُوَ لَهُ وَتَقَرَّرَتِ الْعُهُودُ وَالْأَيْمَانُ عَلَى ذَلِكَ.
ذِكْرُ مُلْكِ عِمَادِ الدِّينِ قَلْعَةَ كَوَاشَى وَمُلْكِ بَدْرِ الدِّينِ تَلَّ يَعْفَرَ وَمُلْكِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ سِنْجَارَ
كَوَاشَى هَذِهِ مِنْ أَحْصَنِ قِلَاعِ الْمَوْصِلِ وَأَعْلَاهَا وَأَمْنَعِهَا، وَكَانَ الْجُنْدُ الَّذِينَ بِهَا، لَمَّا رَأَوْا مَا فَعَلَ أَهْلُ الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ التَّسْلِيمِ إِلَى زَنْكِي وَأَنَّهُمْ قَدْ تَحَكَّمُوا فِي الْقِلَاعِ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ، أَحَبُّوا أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ، فَأَخْرَجُوا نُوَّابَ بَدْرِ الدِّينِ عَنْهُمْ، وَامْتَنَعُوا بِهَا، وَكَانَتْ رَهَائِنُهُمْ بِالْمَوْصِلِ، وَهُمْ يُظْهِرُونَ طَاعَةَ بَدْرِ الدِّينِ، وَيُبَطِنُونَ الْمُخَالَفَةَ، فَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ فِي عَوْدِهِمْ إِلَى الطَّاعَةِ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَرَاسَلُوا زَنْكِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute