للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا صَارَ عِنْدَهُ ابْنُ الْمَشْطُوبِ حَسَّنَ عِنْدَهُ مُخَالَفَةَ الْأَشْرَفِ، فَأَجَابِهُ إِلَى ذَلِكَ وَأَطْلَقَهُ، فَاجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ يُرِيدُ الْفَسَادَ، فَقَصَدُوا الْبَقْعَا مِنْ أَعْمَالِ الْمَوْصِلِ، وَنَهَبُوا فِيهَا عِدَّةَ قُرًى، وَعَادُوا إِلَى سِنْجَارَ، ثُمَّ سَارُوا وَهُوَ مَعَهُمْ إِلَى تَلِّ يَعْفَرَ، وَهِيَ لِصَاحِبِ سِنْجَارَ ; لِيَقْصِدُوا بَلَدَ الْمَوْصِلِ وَيَنْهَبُوا فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ، فَلَمَّا سَمِعَ بَدْرُ الدِّينِ بِذَلِكَ سَيَّرَ إِلَيْهِ عَسْكَرًا، فَقَاتَلُوهُمْ، فَمَضَى مُنْهَزِمًا وَصَعِدَ إِلَى تَلِّ يَعْفَرَ. وَاحْتَمَى بِهَا مِنْهُمْ، وَنَازَلُوهُ وَحَصَرُوهُ فِيهَا، فَسَارَ بَدْرُ الدِّينِ مِنَ الْمَوْصِلِ إِلَيْهِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِتِسْعٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَجَدَّ فِي حَصْرِهِ، وَزَحَفَ إِلَيْهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَمَلَكَهَا سَابِعَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخَرَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَأَخَذَ ابْنُ الْمَشْطُوبِ مَعَهُ إِلَى الْمَوْصِلِ فَسَجَنَهُ بِهَا، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ الْأَشْرَفُ فَسَجَنَهُ بَحَرَّانَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَلَقَّاهُ اللَّهُ عُقُوبَةَ مَا صَنَعَ بِالْمُسْلِمِينَ بِدِمْيَاطَ.

وَأَمَّا الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ فَإِنَّهُ لَمَّا أَطَاعَهُ صَاحِبُ الْحِصْنِ وَآمِدَ. وَتَفَرَّقَ الْأُمَرَاءُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، رَحَلَ مِنَ حَرَّانَ إِلَى دُنَيْسِرَ، فَنَزَلَ عَلَيْهَا وَاسْتَوْلَى عَلَى بَلَدِ مَارِدِينَ، وَشَحَّنَ عَلَيْهِ، وَأَقْطَعَهُ. وَمَنَعَ الْمِيرَةَ عَنْ مَارِدِينَ، وَحَضَرَ مَعَهُ صَاحِبُ آمِدَ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ مَارِدِينَ فِي الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْأَشْرَفُ رَأْسَ عَيْنٍ، وَكَانَ هُوَ قَدْ أَقْطَعَهَا لِصَاحِبِ مَارِدِينَ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ أَيْضًا أَلْفَ دِينَارٍ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ صَاحِبُ آمِدَ الْمُوَزَّرَ، مِنْ بَلَدِ شَبَخْتَانَ.

فَلَمَّا تَمَّ الصُّلْحُ سَارَ الْأَشْرَفُ مِنْ دُنَيْسِرَ إِلَى نَصِيبِينَ يُرِيدُ الْمَوْصِلَ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الطَّرِيقِ لَقِيَهُ رُسُلُ صَاحِبِ سِنْجَارَ يَبْذُلُ تَسْلِيمَهَا إِلَيْهِ، وَيَطْلُبُ الْعِوَضَ عَنْهَا مَدِينَةَ الرَّقَّةِ.

وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَخْذَ تَلِّ يَعْفَرَ مِنْهُ، فَانْخَلَعَ قَلْبُهُ، وَانْضَافَ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ ثِقَاتِهِ وَنُصَحَاءَهُ خَانُوهُ وَزَادُوهُ رُعْبًا وَخَوْفًا، لِأَنَّهُ تَهَدَّدَهُمْ، فَتَغَدَّوْا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى بِهِمْ، وَلِأَنَّهُ قَطَعَ رَحِمَهُ، وَقَتَلَ أَخَاهُ الَّذِي مَلَكَ سِنْجَارَ بَعْدَ أَبِيهِ ; قَتَلَهُ كَمَا نَذْكُرُهُ إِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>