للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاءَ اللَّهُ، وَمَلَكَهَا، فَلَقَّاهُ اللَّهُ سُوءَ فِعْلِهِ، وَلَمْ يُمَتِّعْهُ بِهَا، فَلَمَّا تَيَقَّنَ رَحِيلَ الْأَشْرَفِ تَحَيَّرَ فِي أَمْرِهِ، فَأَرْسَلَ فِي التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، فَأَجَابَهُ الْأَشْرَفُ إِلَى الْعِوَضِ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ الرَّقَّةَ وَتَسَلَّمَ سِنْجَارَ مُسْتَهَلَّ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَفَارَقَهَا صَاحِبُهَا وَإِخْوَتُهُ بِأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَكَانَ هَذَا آخِرَ مُلُوكِ الْبَيْتِ الْأَتَابِكِيِّ بِسِنْجَارَ، فَسُبْحَانَ الْحَيِّ الدَّائِمِ الَّذِي لَيْسَ لِمُلْكِهِ آخِرٌ. وَكَانَ مُدَّةُ مُلْكِهِمْ لَهَا أَرْبَعًا وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَهَذَا دَأْبُ الدُّنْيَا بِأَبْنَائِهَا، فَتَعْسًا لَهَا مِنْ دَارٍ مَا أَغْدَرَهَا بِأَهْلِهَا!

ذِكْرُ وَصُولِ الْأَشْرَفِ إِلَى الْمَوْصِلِ وَالصُّلْحِ مَعَ مُظَفَّرِ الدِّينِ

لَمَّا مَلَكَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ سِنْجَارَ سَارَ يُرِيدُ الْمَوْصِلَ لِيَجْتَازَ مِنْهَا، فَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَسَاكِرَهُ، فَكَانَ يَصِلُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ وَصَلَ هُوَ فِي آخِرِهِمْ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ تَاسِعَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَانَ يَوْمُ وُصُولِهِ مَشْهُودًا، وَأَتَاهُ رُسُلُ الْخَلِيفَةِ وَمُظَفَّرُ الدِّينِ فِي الصُّلْحِ، وَبَذَلَ تَسْلِيمَ الْقِلَاعِ الْمَأْخُوذَةِ جَمِيعِهَا إِلَى بَدْرِ الدِّينِ، مَا عَدَا قَلْعَةَ الْعِمَادِيَّةِ فَإِنَّهَا تَبْقَى بِيَدِ زَنْكِي، وَإِنَّ الْمَصْلَحَةَ قَبُولَ هَذَا لِتَزُولَ الْفِتَنُ، وَيَقَعَ الِاشْتِغَالُ بِجِهَادِ الْفِرِنْجِ.

وَطَالَ الْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ نَحْوَ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ رَحَلَ الْأَشْرَفُ يُرِيدُ مُظَفَّرَ الدِّينِ صَاحِبَ إِرْبِلَ، فَوَصَلَ إِلَى قَرْيَةِ السَّلَامِيَّةِ، بِالْقُرْبِ مِنْ نَهْرِ الزَّابِ، وَكَانَ مُظَفَّرُ الدِّينِ نَازِلًا عَلَيْهِ مِنْ جَانِبِ إِرْبِلَ، فَأَعَادَ الرُّسُلَ، وَكَانَ الْعَسْكَرُ قَدْ طَالَ بَيْكَارُهُ، وَالنَّاسُ قَدْ ضَجِرُوا، وَنَاصِرُ الدِّينِ صَاحِبُ آمِدَ يَمِيلُ إِلَى مُظَفَّرِ الدِّينِ، فَأَشَارَ بِالْإِجَابَةِ إِلَى مَا بَذَلَ، وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَوَقَعَتِ الْإِجَابَةُ إِلَيْهِ، وَاصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ، وَجَعَلَ لِتَسْلِيمِهَا أَجَلٌ، وَحُمِلَ زَنْكِي إِلَى الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ يَكُونُ عِنْدَهُ رَهِينَةً إِلَى حِينِ تَسْلِيمِ الْقِلَاعِ.

وَسُلِّمَتْ قَلْعَةُ الْعَقْرِ، وَقَلْعَةُ شُوشَ أَيْضًا، وَهُمَا لِزَنْكِي، إِلَى نُوَّابِ الْأَشْرَفِ رَهْنًا عَلَى تَسْلِيمِ مَا اسْتَقَرَّ مِنَ الْقِلَاعِ، فَإِذَا سُلِّمَتْ أُطْلِقَ زَنْكِي، وَأُعِيدَ عَلَيْهِ قَلْعَةُ الْعَقْرِ، وَقَلْعَةُ شُوشَ، وَحَلَفُوا عَلَى هَذَا، وَسَلَّمَ الْأَشْرَفُ زَنْكِي الْقَلْعَتَيْنِ وَعَادَ إِلَى سِنْجَارَ، وَكَانَ رَحِيلُهُ عَنِ الْمَوْصِلِ ثَانِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَى الْقِلَاعِ لِتُسَلَّمَ إِلَى نُوَّابِ بَدْرِ الدِّينِ، فَلَمْ يُسَلَّمْ إِلَيْهِ غَيْرُ قَلْعَةِ جَلَّ صُوَرَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>