مِنْ أَعْمَالِ الْهَكَّارِيَّةِ، وَأَمَّا بَاقِي الْقِلَاعِ فَإِنَّ جُنْدَهَا أَظْهَرُوا الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يُسَلَّمْ غَيْرُ جُلَّ صُوَرَا.
وَلَزِمَ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِي لِشِهَابِ الدِّينِ غَازِي ابْنِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ، وَخَدَمَهُ، وَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ، فَاسْتَعْطَفَ لَهُ أَخَاهُ الْمَلِكَ الْأَشْرَفَ، فَمَالَ إِلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ، وَأَزَالَ نُوَّابَهُ مِنْ قَلْعَةِ الْعَقْرِ وَقَلْعَةِ شُوشَ، وَسَلَّمَهُمَا إِلَيْهِ.
وَبَلَغَ بَدْرَ الدِّينِ عَنِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ مَيْلٌ إِلَى قَلْعَةِ تَلِّ يَعْفَرَ، وَإِنَّهَا كَانَتْ لِسِنْجَارَ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ، وَطَالَ الْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ، فَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ بَدْرُ الدِّينِ.
ذِكْرُ عَوْدِ قِلَاعِ الْهَكَّارِيَّةِ وَالزَّوْزَانِ إِلَى بَدْرِ الدِّينِ
لَمَّا مَلَكَ زَنْكِي قِلَاعَ الْهَكَّارِيَّةِ وَالزَّوْزَانِ لَمْ يَفْعَلْ مَعَ أَهْلِهَا مَا ظَنُّوهُ مِنَ الْإِحْسَانِ وَالْإِنْعَامِ، بَلْ فَعَلَ ضِدَّهُ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ يَبْلُغُهُمْ أَفْعَالُ بَدْرِ الدِّينِ مَعَ جُنْدِهِ وَرَعَايَاهُ وَإِحْسَانُهُ إِلَيْهِمْ، وَبَذْلُهُ الْأَمْوَالَ لَهُمْ، وَكَانُوا يُرِيدُونَ الْعَوْدَ إِلَيْهِ، وَيَمْنَعُهُمُ الْخَوْفُ مِنْهُ لِمَا أَسْلَفُوهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْآنَ أَعْلَنُوا بِمَا فَعَلَ مَعَهُمْ فَأَرْسَلُوا إِلَى بَدْرِ الدِّينِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ فِي التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، وَطَلَبُوا مِنْهُ الْيُمْنَ، وَالْعَفْوَ عَنْهُمْ، وَذَكَرُوا شَيْئًا مِنْ إِقْطَاعٍ يَكُونُ لَهُمْ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ.
وَعَادَ زَنْكِي مِنْ عِنْدِ الْأَشْرَفِ، فَجَمَعَ جُمُوعًا، وَحَصَرَ قَلْعَةَ الْعِمَادِيَّةِ، فَلَمْ يَبْلُغْ مِنْهُمْ غَرَضًا، وَأَعَادُوا مُرَاسَلَةَ بَدْرِ الدِّينِ فِي التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَى الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ فِي الْمَعْنَى، وَبَذَلَ لَهُ قَلْعَةَ جُدَيْدَةَ نَصِيبِينَ، وَوِلَايَةً بَيْنَ النَّهْرَيْنِ لِيَأْذَنَ لَهُ فِي أَخْذِهَا، فَأَذِنَ لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا كُلَّهَا النُّوَّابَ وَتَسَلَّمُوهَا وَأَحْسَنَ إِلَى أَهْلِهَا، وَرَحَلَ زَنْكِي عَنْهَا، وَوَفَّى لَهُ بَدْرُ الدِّينِ بِمَا بَذَلَهُ لَهُمْ.
فَلَمَّا سَمِعَ جُنْدُ بَاقِي الْقِلَاعِ بِمَا فَعَلُوا وَمَا وَصَلَهُمْ مِنَ الْإِحْسَانِ وَالزِّيَادَةِ، رَغِبُوا كُلُّهُمْ فِي التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمُ النُّوَّابَ، وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ أَهْلِهَا عَلَى طَاعَتِهِ وَالِانْقِيَادِ إِلَيْهِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الْعَسَاكِرَ اجْتَمَعَتْ مِنَ الشَّامِ، وَالْجَزِيرَةِ، وَدِيَارِ بَكْرٍ، وَخِلَاطَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute