يَدَيْهِ، وَلَقَدْ صَدَقَ الْقَائِلُ: لَا جَدَّ إِلَّا مَا أَقْعَصَ عَنْكَ الرِّجَالُ، وَكَأَنَّهُ بِقَوْلِهِ أَرَادَ: وَجَدُّكَ طَعَّانٌ بِغَيْرِ سِنَانٍ.
وَهَذَا ثَمَرَةُ حُسْنِ النِّيَّةِ، فَإِنَّهُ حَسَنُ النِّيَّةِ لِرَعِيَّتِهِ وَأَصْحَابِهِ، كَافٌّ عَنْ أَذًى يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِمْ مِنْهُ، غَيْرُ قَاصِدٍ إِلَى الْبِلَادِ الْمُجَاوِرَةِ لِبِلَادِهِ بِأَذًى وَمُلْكٍ مَعَ ضَعْفِ أَصْحَابِهَا وَقُوَّتِهِ، لَا جَرَمَ تَأْتِيهِ الْبِلَادُ صَفْوًا عَفْوًا.
ذِكْرُ مَوْتِ صَاحِبِ سِنْجَارَ وَمُلْكِ ابْنِهِ ثُمَّ قَتْلِ ابْنِهِ وَمُلْكِ أَخِيهِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ، ثَامِنَ صَفَرٍ، تُوُفِّيَ قُطْبُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ زَنْكِي بْنِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِي، صَاحِبُ سِنْجَارَ، وَكَانَ كَرِيمًا، حَسَنَ السِّيرَةِ فِي رَعِيَّتِهِ، حَسَنَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ التُّجَّارِ، كَثِيرَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَأَمَّا أَصْحَابُهُ فَكَانُوا مَعَهُ فِي أَرْغَدِ عَيْشٍ يَعُمُّهُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَلَا يَخَافُونَ أَذَاهُ، وَكَانَ عَاجِزًا عَنْ حِفْظِ بَلَدِهِ، مُسَلَّمًا الْأُمُورَ إِلَى نُوَّابِهِ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عِمَادُ الدِّينِ شَاهِنْشَاهْ، وَرَكِبَ النَّاسُ مَعَهُ، وَبَقِيَ مَالِكًا لِسِنْجَارَ عِدَّةَ شُهُورٍ، وَسَارَ إِلَى تَلِّ أَعْفَرَ وَهِيَ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَنْكِي، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَقَتَلُوهُ، وَمَلَكَ أَخُوهُ عُمَرُ بَعْدَهُ فَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّ سَلَّمَ سِنْجَارَ إِلَى الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يُمَتَّعْ بِمُلْكِهِ الَّذِي قَطَعَ رَحِمَهُ، وَأَرَاقَ الدَّمَ الْحَرَامَ لِأَجْلِهِ.
وَلَمَّا سَلَّمَ سِنْجَارَ أَخَذَ عِوَضَهَا الرَّقَّةَ، ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْهُ عَنْ قَرِيبٍ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَ أَخْذِهَا مِنْهُ بِقَلِيلٍ. وَعَدِمَ رَوْحَهُ وَشَبَابَهُ. وَهَذِهِ عَاقِبَةُ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ. فَإِنَّ صِلَتَهَا تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ وَقَطِيعَتَهَا تَهْدِمُ الْعُمُرَ.
ذِكْرُ إِجْلَاءِ بَنِي مَعْرُوفٍ عَنِ الْبَطَائِحِ وَقَتْلِهِمْ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ، أَمَرَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ الشَّرِيفُ مَعَدًّا مُتَوَلِّيَ بِلَادِ وَاسِطَ، أَنْ يَسِيرَ إِلَى قِتَالِ بَنِي مَعْرُوفٍ، فَتَجَهَّزَ، وَجَمَعَ مَعَهُ مِنَ الرَّجَّالَةِ مِنْ تَكْرِيتَ، وَهِيتَ، وَالْحَدِيثَةِ، وَالْأَنْبَارِ، وَالْحِلَّةِ، وَالْكُوفَةِ، وَوَاسِطَ: وَالْبَصْرَةِ، وَغَيْرِهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute