لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
لِهَذِهِ الْحَادِثَةِ الَّتِي اسْتَطَارَ شَرَرُهَا، وَعَمَّ ضَرَرُهَا، وَسَارَتْ فِي الْبِلَادِ كَالسَّحَابِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَإِنَّ قَوْمًا خَرَجُوا مِنْ أَطْرَافِ الصِّينِ، فَقَصَدُوا بِلَادَ تُرْكِسْتَانَ مِثْلَ كَاشْغَرَ وَبِلَاسَاغُونَ، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهَرِ، مِثْلَ سَمَرْقَنْدَ وَبُخَارَى وَغَيْرِهِمَا، فَيَمْلِكُونَهَا، وَيَفْعَلُونَ بِأَهْلِهَا مَا نَذْكُرُهُ، ثُمَّ تَعْبُرُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِلَى خُرَاسَانَ، فَيَفْرَغُونَ مِنْهَا مُلْكًا، وَتَخْرِيبًا، وَقَتْلًا وَنَهْبًا، ثُمَّ يَتَجَاوَزُونَهَا إِلَى الرَّيِّ، وَهَمَذَانَ، وَبَلَدِ الْجَبَلِ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْبِلَادِ إِلَى حَدِّ الْعِرَاقِ، ثُمَّ يَقْصِدُونَ بِلَادَ أَذْرَبِيجَانَ وَأَرَّانِيَّةَ، وَيُخَرِّبُونَهَا، وَيَقْتُلُونَ أَكْثَرَ أَهْلِهَا، وَلَمْ يَنْجُ إِلَّا الشَّرِيدُ النَّادِرُ فِي أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ، هَذَا مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ.
ثُمَّ لَمَّا فَرَغُوا مِنْ أَذْرَبِيجَانَ وَأَرَّانِيَّةَ سَارُوا إِلَى دَرْبَنْدَ شِرْوَانَ فَمَلَكُوا مُدُنَهُ، وَلَمْ يَسْلَمْ غَيْرُ الْقَلْعَةِ الَّتِي بِهَا مَلِكُهُمْ، وَعَبَرُوا عِنْدَهَا إِلَى بَلَدِ اللَّانِ، وَاللِّكْزِ، وَمَنْ فِي ذَلِكَ الصُّقْعِ مِنَ الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَأَوْسَعُوهُمْ قَتْلًا، وَنَهْبًا، وَتَخْرِيبًا، ثُمَّ قَصَدُوا بِلَادَ قُفْجَاقَ، وَهُمْ مِنْ أَكْثَرِ التُّرْكِ عَدَدًا، فَقَتَلُوا كُلَّ مَنْ وَقَفَ لَهُمْ، فَهَرَبَ الْبَاقُونَ إِلَى الْغِيَاضِ وَرُءُوسِ الْجِبَالِ، وَفَارَقُوا بِلَادَهُمْ، وَاسْتَوْلَى هَؤُلَاءِ التَّتَرُ عَلَيْهَا، فَعَلُوا هَذَا فِي أَسْرَعِ زَمَانٍ، لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا بِمِقْدَارِ مَسِيرِهِمْ لَا غَيْرَ.
وَمَضَى طَائِفَةٌ أُخْرَى غَيْرُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ إِلَى غَزْنَةَ وَأَعْمَالِهَا، وَمَا يُجَاوِرُهَا مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ وَسِجِسْتَانَ وَكَرْمَانَ، فَفَعَلُوا فِيهِ مِثْلَ فِعْلِ هَؤُلَاءِ وَأَشَدَّ.
هَذَا مَا لَمْ يُطْرِق الْأَسْمَاعَ مِثْلُهُ، فَإِنَّ الْإِسْكَنْدَرَ الَّذِي اتَّفَقَ الْمُؤَرِّخُونَ عَلَى أَنَّهُ مَلَكَ الدُّنْيَا لَمْ يَمْلِكْهَا فِي هَذِهِ السُّرْعَةِ، إِنَّمَا مَلَكَهَا فِي نَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ، وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا، إِنَّمَا رَضِيَ مِنَ النَّاسِ بِالطَّاعَةِ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ مَلَكُوا أَكْثَرَ الْمَعْمُورِ مِنَ الْأَرْضِ وَأَحْسَنَهُ، وَأَكْثَرَهُ عِمَارَةً وَأَهْلًا، وَأَعْدَلَ أَهْلِ الْأَرْضِ أَخْلَاقًا وَسِيرَةً، فِي نَحْوِ سَنَةٍ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَمْ يَطْرُقُوهَا إِلَّا وَهُوَ خَائِفٌ يَتَوَقَّعُهُمْ، وَيَتَرَقَّبُ وُصُولَهُمْ إِلَيْهِ.
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى مِيرَةٍ وَمَدَدٍ يَأْتِيهِمْ، فَإِنَّهُمْ مَعَهُمُ الْأَغْنَامُ، وَالْبَقَرُ، وَالْخَيْلُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الدَّوَابِّ، يَأْكُلُونَ لُحُومَهَا لَا غَيْرَ، وَأَمَّا دَوَابُّهُمُ الَّتِي يَرْكَبُونَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute