فَإِنَّهَا تَحْفِرُ الْأَرْضَ بِحَوَافِرِهَا، وَتَأْكُلُ عُرُوقَ النَّبَاتِ لَا تَعْرِفُ الشَّعِيرَ، فَهُمْ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ.
وَأَمَّا دِيَانَتُهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا، وَلَا يُحَرِّمُونَ شَيْئًا، فَإِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ جَمِيعَ الدَّوَابِّ، حَتَّى الْكِلَابَ، وَالْخَنَازِيرَ، وَغَيْرَهَا، وَلَا يَعْرِفُونَ نِكَاحًا بَلِ الْمَرْأَةُ يَأْتِيهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجَالِ، فَإِذَا جَاءَ الْوَلَدُ لَا يَعْرِفُ أَبَاهُ.
وَلَقَدْ بُلِيَ الْإِسْلَامُ وَالْمُسْلِمُونَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بِمَصَائِبَ لَمْ يُبْتَلَ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ، مِنْهَا هَؤُلَاءِ التَّتَرُ، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ، أَقْبَلُوا مِنَ الْمَشْرِقِ، فَفَعَلُوا الْأَفْعَالَ الَّتِي يَسْتَعْظِمُهَا كُلُّ مَنْ سَمِعَ بِهَا، وَسَتَرَاهَا مَشْرُوحَةً مُتَّصِلَةً، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا خُرُوجُ الْفِرِنْجِ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ، مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الشَّامِ، وَقَصْدُهُمْ دِيَارَ مِصْرَ، وَمُلْكُهُمْ ثَغْرَ دِمْيَاطَ مِنْهَا، وَأَشْرَفَتْ دِيَارُ مِصْرَ وَالشَّامِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنْ يَمْلِكُوهَا لَوْلَا لُطْفُ اللَّهِ تَعَالَى وَنَصْرُهُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ.
وَمِنْهَا أَنَّ الَّذِي سَلِمَ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ فَالسَّيْفُ بَيْنَهُمْ مَسْلُولٌ، وَالْفِتْنَةُ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمَيْنِ نَصْرًا مِنْ عِنْدِهِ، فَإِنَّ النَّاصِرَ، وَالْمُعِينَ، وَالذَّابَّ، عَنِ الْإِسْلَامِ مَعْدُومٌ، {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: ١١] ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ التَّتَرَ إِنَّمَا اسْتَقَامَ لَهُمْ هَذَا الْأَمْرُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ.
وَسَبَبُ عَدَمِهِ أَنَّ خُوَارَزْمَ شَاهْ مُحَمَّدًا كَانَ قَدْ اسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ، وَقَتَلَ مُلُوكَهَا، وَأَفْنَاهُمْ، وَبَقِيَ هُوَ وَحْدَهُ سُلْطَانَ الْبِلَادِ جَمِيعِهَا، فَلَمَّا انْهَزَمَ مِنْهُمْ لَمْ يَبْقَ فِي الْبِلَادِ مَنْ يَمْنَعُهُمْ، وَلَا مَنْ يَحْمِيهَا {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمَرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: ٤٢] ، وَهَذَا حِينَ نَذْكُرُ ابْتِدَاءَ خُرُوجِهِمْ إِلَى الْبِلَادِ.
ذِكْرُ خُرُوجِ التَّتَرِ إِلَى تُرْكِسْتَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَمَا فَعَلُوهُ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ التَّتَرُ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَهُمْ نَوْعٌ كَثِيرٌ مِنَ التُّرْكِ، وَمَسَاكِنُهُمْ جِبَالُ طَمْغَاجَ مِنْ نَحْوِ الصِّينِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مَا يَزِيدُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
وَكَانَ السَّبَبُ فِي ظُهُورِهِمْ أَنَّ مَلِكَهُمْ، وَيُسَمَّى بِجِنْكِزْخَانْ، الْمَعْرُوفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute