للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا بُدَّ مِنَ الْفِكْرِ فِيهِ وَأَخْذِ رَأْيِكَ فِي الَّذِي نَفْعَلُهُ، وَذَاكَ أَنَّهُ قَدْ تَحَرَّكَ إِلَيْنَا خَصْمٌ مِنْ نَاحِيَةِ التُّرْكِ فِي كَثْرَةٍ لَا تُحْصَى.

فَقَالَ لَهُ: فِي عَسَاكِرِكَ كَثْرَةٌ وَنُكَاتِبُ الْأَطْرَافَ، وَنَجْمَعُ الْعَسَاكِرَ، وَيَكُونُ النَّفِيرُ عَامًّا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً مُسَاعَدَتُكَ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ، ثُمَّ نَذْهَبُ بِجَمِيعِ الْعَسَاكِرِ إِلَى جَانِبِ سَيْحُونَ، وَهُوَ نَهْرٌ كَبِيرٌ يَفْصِلُ بَيْنَ بِلَادِ التُّرْكِ وَبِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَنَكُونُ هُنَاكَ، فَإِذَا جَاءَ الْعَدُوُّ، وَقَدْ سَارَ مَسَافَةً بَعِيدَةً، لَقِينَاهُ وَنَحْنُ مُسْتَرِيحُونَ، وَهُوَ وَعَسَاكِرُهُ قَدْ مَسَّهُمُ النَّصَبُ وَالتَّعَبُ.

فَجَمَعَ خُوَارَزْم شَاهْ أُمَرَاءَهُ وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَرْبَابِ الْمَشُورَةِ، فَاسْتَشَارَهُمْ، فَلَمْ يُوَافِقُوهُ عَلَى رَأْيِهِ، بَلْ قَالُوا: الرَّأْيُ أَنْ نَتْرُكَهُمْ يَعْبُرُونَ سَيْحُونَ إِلَيْنَا، وَيَسْلُكُونَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَالْمَضَايِقَ، فَإِنَّهُمْ جَاهِلُونَ بِطُرُقِهِمْ، وَنَحْنُ عَارِفُونَ بِهَا، فَنَقْوَى حِينَئِذٍ عَلَيْهِمْ، وَنُهْلِكُهُمْ فَلَا يَنْجُو مِنْهُمْ أَحَدٌ.

فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ وَرَدَ رَسُولٌ مِنْ هَذَا اللَّعِينِ جِنْكِزْخَانْ مَعَهُ جَمَاعَةٌ يَتَهَدَّدُ خُوَارَزْم شَاهْ، وَيَقُولُ: تَقْتُلُونَ أَصْحَابِي وَتُجَّارِي وَتَأْخُذُونَ مَالِي مِنْهُمْ! اسْتَعِدُّوا لِلْحَرْبِ فَإِنِّي وَاصِلٌ إِلَيْكُمْ بِجَمْعٍ لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ.

وَكَانَ جِنْكِزْخَانْ قَدْ سَارَ إِلَى تُرْكِسْتَانَ، فَمَلَكَ كَاشْغَارَ، وَبِلَاسَاغُونَ، وَجَمِيعَ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَأَزَالَ عَنْهَا التَّتَرَ الْأُولَى، فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ خَبَرٌ، وَلَا بَقِيَ لَهُمْ، بَلْ بَادُوا كَمَا أَصَابَ الْخَطَا، وَأَرْسَلَ الرِّسَالَةَ الْمَذْكُورَةَ إِلَى خُوَارَزْم شَاهْ، فَلَمَّا سَمِعَهَا خُوَارَزْم شَاهْ أَمَرَ بِقَتْلِ رَسُولِهِ، فَقُتِلَ، وَأَمَرَ بِحَلْقِ لِحَى الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، وَأَعَادَهُمْ إِلَى صَاحِبِهِمْ جِنْكِزْخَانْ يُخْبِرُونَهُ بِمَا فَعَلَ بِالرَّسُولِ. وَيَقُولُونَ لَهُ: إِنَّ خُوَارَزْم شَاهْ يَقُولُ لَكَ: أَنَا سَائِرٌ إِلَيْكَ وَلَوْ أَنَّكَ فِي آخِرِ الدُّنْيَا، حَتَّى أَنْتَقِمَ، وَأَفْعَلَ بِكَ كَمَا فَعَلْتُ بِأَصْحَابِكَ.

وَتَجَهَّزَ خُوَارَزْم شَاهْ، وَسَارَ بَعْدَ الرَّسُولِ مُبَادِرًا لِيَسْبِقَ خَبَرَهُ وَيَكْبِسَهُمْ، فَأَدْمَنَ السَّيْرَ، فَمَضَى، وَقَطَعَ مَسِيرَةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَوَصَلَ إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَلَمْ يَرَ فِيهَا إِلَّا النِّسَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>