للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصِّبْيَانَ وَالْأَثْقَالَ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ وَغَنِمَ الْجَمِيعَ، وَسَبَى النِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ.

وَكَانَ سَبَبُ غَيْبَةِ الْكُفَّارِ عَنْ بُيُوتِهِمْ أَنَّهُمْ سَارُوا إِلَى مُحَارَبَةِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ التُّرْكِ يُقَالُ لَهُ كِشْلُوخَانْ، فَقَاتَلُوهُ، وَهَزَمُوهُ وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُ وَعَادُوا، فَلَقِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الْخَبَرُ بِمَا فَعَلَ خُوَارَزْم شَاهْ بِمُخَلَّفِيهِمْ، فَجَدُّوا السَّيْرَ، فَأَدْرَكُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ بُيُوتِهِمْ، وَتَصَافُّوا لِلْحَرْبِ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، فَبَقُوا فِي الْحَرْبِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا، فَقُتِلَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ مَا لَا يُعَدُّ، وَلَمْ يَنْهَزِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ.

أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُمْ صَبَرُوا حَمِيَّةً لِلدِّينِ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ إِنِ انْهَزَمُوا لَمْ يَبْقَ لِلْمُسْلِمِينَ بَاقِيَةٌ، وَأَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ لِبُعْدِهِمْ عَنْ بِلَادِهِمْ.

وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَصَبَرُوا لِاسْتِنْقَاذِ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَاشْتَدَّ بِهِمُ الْأَمْرُ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يَنْزِلُ عَنْ فَرَسِهِ وَيُقَاتِلُ قِرْنَهُ رَاجِلًا، وَيَتَضَارَبُونَ بِالسَّكَاكِينِ، وَجَرَى الدَّمُ عَلَى الْأَرْضِ، حَتَّى صَارَتِ الْخَيْلُ تَزْلَقُ مِنْ كَثْرَتِهِ، وَاسْتَنْفَدَ الطَّائِفَتَانِ وُسْعَهُمْ فِي الصَّبْرِ وَالْقِتَالِ. هَذَا الْقِتَالُ جَمِيعُهُ مَعَ ابْنِ جِنْكِزْخَانْ وَلَمْ يَحْضُرْ أَبُوهُ الْوَقْعَةَ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا، فَأُحْصِيَ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ فَكَانُوا عِشْرِينَ أَلْفًا، وَأَمَّا مِنَ الْكُفَّارِ فَلَا يُحْصَى مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ.

فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ افْتَرَقُوا فَنَزَلَ بَعْضُهُمْ مُقَابِلَ بَعْضٍ، فَلَمَّا أَظْلَمَ اللَّيْلُ أَوْقَدَ الْكُفَّارُ نِيرَانَهُمْ وَتَرَكُوهَا بِحَالِهَا وَسَارُوا وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا، كُلٌّ مِنْهُمْ سَئِمَ الْقِتَالَ ; فَأَمَّا الْكُفَّارُ فَعَادُوا إِلَى مَلِكِهِمْ جِنْكِزْخَانْ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَرَجَعُوا إِلَى بُخَارَى فَاسْتَعَدَّ لِلْحِصَارِ لِعِلْمِهِ بِعَجْزِهِ. لِأَنَّ طَائِفَةَ عَسْكَرِهِ لَمْ يَقْدِرْ خُوَارَزْم شَاهْ عَلَى أَنْ يَظْفَرَ بِهِمْ، فَكَيْفَ إِذَا جَاءُوا جَمِيعُهُمْ مَعَ مَلِكِهِمْ؟ فَأَمَرَ أَهْلَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ بِالِاسْتِعْدَادِ لِلْحِصَارِ، وَجَمَعَ الذَّخَائِرَ لِلِامْتِنَاعِ، وَجَعَلَ فِي بُخَارَى عِشْرِينَ أَلْفَ فَارِسٍ مِنَ الْعَسْكَرِ يَحْمُونَهَا، وَفِي سَمَرْقَنْدَ خَمْسِينَ أَلْفًا، وَقَالَ لَهُمْ: احْفَظُوا الْبَلَدَ حَتَّى أَعُودَ إِلَى خُوَارَزْمَ وَخُرَاسَانَ وَأَجْمَعَ الْعَسَاكِرَ وَأَسْتَنْجِدَ بِالْمُسْلِمِينَ وَأَعُودَ إِلَيْكُمْ.

فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ رَحَلَ عَائِدًا إِلَى خُرَاسَانَ فَعَبَرَ جَيْحُونَ، وَنَزَلَ بِالْقُرْبِ مِنْ بَلْخَ فَعَسْكَرَ هُنَاكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>