للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّهُمْ رَحَلُوا بَعْدَ أَنِ اسْتَعَدُّوا يَطْلُبُونَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَوَصَلُوا إِلَى بُخَارَى بَعْدَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وُصُولِ خُوَارَزْم شَاهْ، وَحَصَرُوهَا، وَقَاتَلُوهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قِتَالًا شَدِيدًا مُتَتَابِعًا فَلَمْ يَكُنْ لِلْعَسْكَرِ الْخُوَارَزْمِيِّ بِهِمْ قُوَّةٌ فَفَارَقُوا الْبَلَدَ عَائِدِينَ إِلَى خُرَاسَانَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَهْلُ الْبَلَدِ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَسْكَرِ أَحَدٌ ضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ، فَأَرْسَلُوا الْقَاضِيَ، وَهُوَ بَدْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ لِيَطْلُبَ الْأَمَانَ لِلنَّاسِ، فَأَعْطَوْهُمُ الْأَمَانَ.

وَكَانَ قَدْ بَقِيَ مِنَ الْعَسْكَرِ طَائِفَةٌ لَمْ يُمْكِنْهُمُ الْهَرَبُ مَعَ أَصْحَابِهِمْ. فَاعْتَصَمُوا بِالْقَلْعَةِ، فَلَمَّا أَجَابَهُمْ جِنْكِزْخَانْ إِلَى الْأَمَانِ فُتِحْتَ أَبْوَابُ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ رَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَدَخَلَ الْكُفَّارُ بُخَارَى وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِأَحَدٍ، بَلْ قَالُوا لَهُمْ: كُلُّ مَا هُوَ لِلسُّلْطَانِ عِنْدَكُمْ مِنْ ذَخِيرَةٍ وَغَيْرِهِ أَخْرِجُوهُ إِلَيْنَا، وَسَاعِدُونَا عَلَى قِتَالِ مَنْ بِالْقَلْعَةِ، وَأَظْهَرُوا عِنْدَهُمُ الْعَدْلَ وَحُسْنَ السِّيرَةِ، وَدَخَلَ جِنْكِزْخَانْ بِنَفْسِهِ وَأَحَاطَ بِالْقَلْعَةِ، وَنَادَى فِي الْبَلَدِ بِأَنْ لَا يَتَخَلَّفَ أَحَدٌ وَمَنْ تَخَلَّفَ قُتِلَ، فَحَضَرُوا جَمِيعُهُمْ، فَأَمَرَهُمْ بِطَمِّ الْخَنْدَقِ، فَطَمُّوهُ بِالْأَخْشَابِ وَالتُّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْمَنَابِرَ وَرَبَعَاتِ الْقُرْآنِ فَيُلْقُونَهَا فِي الْخَنْدَقِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَبِحَقٍّ سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ صَبُورًا حَلِيمًا، وَإِلَّا كَانَ خَسَفَ بِهِمُ الْأَرْضَ عِنْدَ فِعْلِ مِثْلِ هَذَا.

ثُمَّ تَابَعُوا الزَّحْفَ إِلَى الْقَلْعَةِ وَبِهَا نَحْوُ أَرْبَعِ مِائَةِ فَارِسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَبَذَلُوا جُهْدَهُمْ، وَمَنَعُوا الْقَلْعَةَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا يُقَاتِلُونَ جَمْعَ الْكُفَّارِ وَأَهْلَ الْبَلَدِ، فَقُتِلَ بَعْضُهُمْ، وَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى زَحَفُوا إِلَيْهِمْ، وَوَصَلَ النَّقَّابُونَ إِلَى سُورِ الْقَلْعَةِ فَنَقَبُوهُ، وَاشْتَدَّ حِينَئِذٍ الْقِتَالُ، وَمَنْ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَرْمُونَ مَا يَجِدُونَ مِنْ حِجَارَةٍ وَنَارٍ وَسِهَامٍ، فَغَضِبَ اللَّعِينُ، وَرَدَّ أَصْحَابَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَبَاكَرَهُمْ مِنَ الْغَدِ، فَجَدُّوا فِي الْقِتَالِ، وَقَدْ تَعِبَ مَنْ بِالْقَلْعَةِ وَنَصَبُوا، وَجَاءَهُمْ مَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ، فَقَهَرَهُمُ الْكُفَّارُ وَدَخَلُوا الْقَلْعَةَ، وَقَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ فِيهَا حَتَّى قُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْقَلْعَةِ نَادَى أَنْ يُكْتَبَ لَهُ وُجُوهُ النَّاسِ وَرُؤَسَاؤُهُمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَمَّا عُرِضُوا عَلَيْهِ أَمَرَ بِإِحْضَارِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>