فَحَضَرُوا، فَقَالَ: أُرِيدُ مِنْكُمُ النُّقْرَةَ الَّتِي بَاعَكُمْ خُوَارَزْم شَاهْ، فَإِنَّهَا لِي، وَمِنْ أَصْحَابِي أُخِذَتْ، وَهِيَ عِنْدَكُمْ.
فَأَحْضَرَ كُلُّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْبَلَدِ، فَخَرَجُوا مِنَ الْبَلَدِ مُجَرَّدِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، لَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ غَيْرُ ثِيَابِهِ الَّتِي عَلَيْهِ، وَدَخَلَ الْكُفَّارُ الْبَلَدَ فَنَهَبُوهُ وَقَتَلُوا مَنْ وَجَدُوا فِيهِ، وَأَحَاطَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَقْتَسِمُوهُمْ، فَاقْتَسَمُوهُمْ.
وَكَانَ يَوْمًا عَظِيمًا مِنْ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، وَتَفَرَّقُوا أَيْدِي سَبَا، وَتَمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ، وَاقْتَسَمُوا النِّسَاءَ أَيْضًا، وَأَصْبَحَتْ بُخَارَى خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ، وَارْتَكَبُوا مِنَ النِّسَاءِ الْعَظِيمَ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَيَبْكُونَ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ، وَاخْتَارَ الْمَوْتَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَمِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَاخْتَارَ أَنْ يُقْتَلَ وَلَا يَرَى مَا نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ، الْفَقِيهُ الْإِمَامُ رُكْنُ الدِّينِ إِمَامُ زَادَهْ وَوَلَدُهُ، فَإِنَّهُمَا لَمَّا رَأَيَا مَا يُفْعَلُ بِالْحُرَمِ قَاتَلَا حَتَّى قُتِلَا.
وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْقَاضِي صَدْرُ الدِّينِ خَانْ، وَمَنِ اسْتَسْلَمَ أُخِذَ أَسِيرًا، وَأَلْقَوُا النَّارَ فِي الْبَلَدِ، وَالْمَدَارِسِ، وَالْمَسَاجِدِ، وَعَذَّبُوا النَّاسَ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ فِي طَلَبِ الْمَالِ، ثُمَّ رَحَلُوا نَحْوَ سَمَرْقَنْدَ وَقَدْ تَحَقَّقُوا عَجْزَ خُوَارَزْم شَاهْ عَنْهُمْ، وَهُمْ بِمَكَانِهِ بَيْنَ تِرْمِذَ وَبَلْخَ، وَاسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ مَنْ سَلِمَ مِنْ أَهْلِ بُخَارَى أَسَارَى، فَسَارُوا بِهِمْ مُشَاةً عَلَى أَقْبَحِ صُورَةٍ، فَكُلُّ مَنْ أَعْيَا وَعَجَزَ عَنِ الْمَشْيِ قَتَلُوهُ، فَلَمَّا قَارَبُوا سَمَرْقَنْدَ قَدَّمُوا الْخَيَّالَةَ، وَتَرَكُوا الرَّجَّالَةَ وَالْأَسَارَى وَالْأَثْقَالَ وَرَاءَهُمْ، حَتَّى تَقَدَّمُوا شَيْئًا فَشَيْئًا لِيَكُونَ أَرْعَبَ لِقُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْبَلَدِ سَوَادَهُمُ اسْتَعْظَمُوهُ.
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي وَصَلَ الْأَسَارَى وَالرَّجَّالَةُ وَالْأَثْقَالُ، وَمَعَ كُلِّ عَشَرَةٍ مِنَ الْأَسَارَى عَلَمٌ، فَظَنَّ أَهْلُ الْبَلَدِ أَنَّ الْجَمِيعَ عَسَاكِرُ مُقَاتِلَةٌ، وَأَحَاطُوا بِالْبَلَدِ وَفِيهِ خَمْسُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ مِنَ الْخُوَارَزْمِيَّةِ، وَأَمَّا عَامَّةُ الْبَلَدِ فَلَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ شُجْعَانُ أَهْلِهِ، وَأَهْلُ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ رَجَّالَةً، وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ مِنَ الْعَسْكَرِ الْخُوَارَزْمِيُّ أَحَدٌ لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ خَوْفِ هَؤُلَاءِ الْمَلَاعِينِ، فَقَاتَلَهُمُ الرَّجَّالَةُ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ فَلَمْ يَزَلِ التَّتَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute