شَاهْ رَشِيدٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَاتَلْنَا عَسْكَرَهُ، فَلَمَّا عَادَ ذَلِكَ الْمُقَدَّمُ الْقُفْجَاقِيُّ وَمَعَهُ عَسْكَرُ رَشِيدٍ سَالِمِينَ، فَرَحَ بِهِمْ
ثُمَّ إِنَّ قُفْجَاقَ فَارَقُوا مَوْضِعَهُمْ، فَسَارُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَالَ ذَلِكَ الْقُفْجَاقِيُّ لِرَشِيدٍ: أُرِيدُ عَسْكَرًا أَتْبَعُهُمْ بِهِ وَأَغْنَمُ مَا مَعَهُمْ فَأَمَرَ لَهُ مِنَ الْعَسْكَرِ بِمَا أَرَادَ، فَسَارَ يَقْفُو أَثَرَ الْقُفْجَاقَ، فَأَوْقَعَ بِأَوَاخِرِهِمْ، وَغَنِمَ مِنْهُمْ.
وَقَصَدَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ قُفْجَاقَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يَبْكُونَ، وَقَدْ جَزُّوا شُعُورَهُمْ، وَمَعَهُمْ تَابُوتٌ، وَهُمْ مُحِيطُونَ بِهِ يَبْكُونَ حَوْلَهُ، وَقَالُوا لَهُ: إِنَّ صَدِيقَكَ فَلَانًا قَدْ مَاتَ، وَقَدْ أَوْصَى أَنْ نَحْمِلَهُ إِلَيْكَ فَتَدْفِنَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شِئْتَ، وَنَكُونُ نَحْنُ عِنْدَكَ، فَحَمَلَهُ مَعَهُ وَالَّذِينَ يَبْكُونَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَعَادَ إِلَى شِرَوَان شَاهْ رَشِيدٍ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْمَيِّتَ صَدِيقٌ لَهُ وَقَدْ حَمَلَهُ مَعَهُ، وَقَدْ طَلَبَ أَهْلُهُ أَنْ يَكُونُوا عِنْدَهُ فِي خِدْمَتِهِ، فَأَمَرَ أَنْ يَدْخُلُوا الْبَلَدَ، وَأَنْزَلَهُمْ فِيهِ.
فَكَانَ أُولَئِكَ الْجَمَاعَةُ يَسِيرُونَ مَعَ ذَلِكَ الْمُقَدَّمِ، وَيَرْكَبُونَ بِرُكُوبِهِ، وَيَصْعَدُونَ مَعَهُ إِلَى الْقَلْعَةِ الَّتِي لِرَشِيدٍ، وَيَقْعُدُونَ عِنْدَهُ، وَيَشْرَبُونَ مَعَهُ هُمْ وَنِسَاؤُهُمْ، فَأَحَبَّ رَشِيدٌ امْرَأَةَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ مَيِّتٌ، وَلَمْ يَكُنْ مَاتَ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا هَكَذَا مَكِيدَةً حَتَّى دَخَلُوا الْبَلَدَ، وَالَّذِي أَظْهَرُوا مَوْتَهُ مَعَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا يَعْرِفُهُ رَشِيدٌ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ مُقَدِّمِي قُفْجَاقَ، فَبَقُوا كَذَلِكَ عِدَّةَ أَيَّامٍ، فَكُلُّ يَوْمٍ يَجِيءُ جَمَاعَةٌ مِنْ قُفْجَاقَ مُتَفَرِّقِينَ، فَاجْتَمَعَ بِالْقَلْعَةِ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَأَرَدُوا قَبْضَ رَشِيدٍ وَمُلْكَ بِلَادِهِ، فَفَطِنَ لِذَلِكَ، فَخَرَجَ عَنِ الْقَلْعَةِ مِنْ بَابِ السِّرِّ، وَهَرَبَ وَمَضَى إِلَى شِرْوَانَ. وَمَلَكَ قُفْجَاقُ وَقَالُوا لِأَهْلِ الْبَلَدِ وَأَعَادُوا بَاقِي أَصْحَابِهِمْ إِلَيْهِمْ وَأَخَذُوا السِّلَاحَ الَّذِي فِي الْبَلَدِ جَمِيعَهُ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى الْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ لِرَشِيدٍ فِي الْقَلْعَةِ، وَرَحَلُوا عَنِ الْقَلْعَةِ، وَقَصَدُوا قِبْلَةَ، وَهِيَ لِلْكَرَجِ، فَنَزَلُوا عَلَيْهَا وَحَصَرُوهَا.
فَلَمَّا سَمِعَ رَشِيدٌ بِمُفَارَقَتِهِمُ الْقَلْعَةَ رَجَعَ إِلَيْهَا وَمَلَكَهَا، وَقَتَلَ مَنْ بِهَا مِنْ قُفْجَاقَ، وَلَمْ يَشْعُرِ الْقُفْجَاقُ الَّذِينَ عِنْدَ قِبْلَةَ بِذَلِكَ، فَأَرْسَلُوا طَائِفَةً مِنْهُمْ إِلَى الْقَلْعَةِ، فَقَتَلَهُمْ رَشِيدٌ أَيْضًا، فَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْقُفْجَاقِ، فَعَادُوا إِلَى دَرْبَنْدَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي الْقَلْعَةِ طَمَعٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute