وَكَانَ صَاحِبُ قِبْلَةَ، لَمَّا كَانُوا يَحْصُرُونَهُ، قَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: أَنَا أُرْسِلُ إِلَى مَلِكِ الْكَرَجِ حَتَّى يُرْسِلَ إِلَيْكُمُ الْخِلَعَ وَالْأَمْوَالَ، وَنَجْتَمِعُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ وَنَمْلِكُ الْبِلَادَ، فَكَفُّوا عَنْ نَهْبِ وِلَايَتِهِ أَيَّامًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ مَدُّوا أَيْدِيَهُمْ بِالنَّهْبِ وَالْفَسَادِ، وَنَهَبُوا بِلَادَ قِبْلَةَ جَمِيعِهَا، وَسَارُوا إِلَى قُرْبِ كَنْجَةَ مِنْ بِلَادِ أَرَّانَ، وَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلُوا هُنَاكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الْأَمِيرُ بِكَنْجَةَ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِأَوْزَبْكَ صَاحِبِ أَذْرَبِيجَانَ، اسْمُهُ كُوشَخْرَةَ، عَسْكَرًا فَمَنَعَهُمْ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى بِلَادِهِ، وَسَيَّرَ رَسُولًا إِلَيْهِمْ يَقُولُ لَهُمْ: غَدَرْتُمْ بِصَاحِبِ شِرْوَانَ وَأَخَذْتُمْ قَلْعَتَهُ، وَغَدَرْتُمْ بِصَاحِبِ قِبْلَةَ وَنَهَبْتُمْ بِلَادَهُ، فَمَا يَثِقُ بِكُمْ أَحَدٌ، فَأَجَابُوا: إِنَّنَا مَا جِئْنَا إِلَّا قَصْدًا لِخِدْمَةِ سُلْطَانِكُمْ، فَمَنَعَنَا شِرْوَان شَاهْ عَنْكُمْ، فَلِهَذَا قَصَدْنَا بِلَادَهُ، وَأَخَذْنَا قَلْعَتَهُ، ثُمَّ تَرَكْنَاهَا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَأَمَّا صَاحِبُ قِبْلَةَ فَهُوَ عَدُوُّكُمْ وَعَدُوُّنَا، وَلَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَكُونَ عِنْدَ الْكَرَجِ لَمَا كُنَّا جَعَلْنَا طَرِيقَنَا عَلَى دَرْبَنْدَ شِرَوَانَ، فَإِنَّهُ أَصْعَبُ وَأَشَقُّ وَأَبْعَدُ، وَكُنَّا جِئْنَا إِلَى بِلَادِهِمْ عَلَى عَادَتِنَا، وَنَحْنُ نُوَجِّهُ الرَّهَائِنَ إِلَيْكُمْ.
فَلَمَّا سَمِعَ كُوشَخْرَةَ هَذَا سَارَ إِلَيْهِمْ، فَسَمِعَ بِهِ قُفْجَاقُ فَرَكِبَ أَمِيرَانِ مِنْهُمْ، هُمَا مُقَدَّمَاهُمْ، فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ وَجَاءُوا إِلَيْهِ وَلَقُوهُ وَخَدَمُوهُ، وَقَالُوا لَهُ: قَدْ أَتَيْنَاكَ جَرِيدَةً فِي قِلَّةٍ مِنَ الْعَدَدِ لِتَعْلَمَ أَنَّنَا مَا قَصَدْنَا إِلَّا الْوَفَاءَ وَالْخِدْمَةَ لِسُلْطَانِكُمْ، فَأَمَرَهُمْ كُوشَخْرَةَ بِالرَّحِيلِ وَالنُّزُولِ عِنْدِ كَنْجَةَ، وَتَزَوَّجَ ابْنَةَ أَحَدِهِمْ وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِهِ أَوْزَبْكَ يُعَرِّفُهُ حَالَهُمْ، فَأَمَرَ لَهُمْ بِالْخِلَعِ وَالنُّزُولِ بِجَبَلِ كِيلَكُونَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ.
وَخَافَهُمُ الْكَرَجُ، فَجَمَعُوا لَهُمْ لِيَكْبِسُوهُمْ، فَوَصَلَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ إِلَى كُوشَخْرَةَ أَمِيرِ كَنْجَةَ، فَأَخْبَرَ قُفْجَاقَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْعَوْدِ وَالنُّزُولِ عِنْدِ كَنْجَةَ، فَعَادُوا وَنَزَلُوا عِنْدَهَا، وَسَارَ أَمِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ قُفْجَاقَ فِي جَمْعٍ مِنْهُمْ إِلَى الْكَرَجِ، فَكَبَسَهُمْ، وَقَتَلَ كَثِيرًا مِنْهُمْ، وَهَزَمَهُمْ، وَغَنِمَ مَا مَعَهُمْ، وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْأَسْرَ مِنْهُمْ، وَتَمَّتِ الْهَزِيمَةُ عَلَيْهِمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute