للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا أَنَّهُ أَخْرَجَ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي السُّجُونِ، وَأَمَرَ بِإِعَادَةِ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْقَاضِي عَشْرَةَ آلَافِ دِينَارٍ لِيُعْطِيَهَا عَنْ كُلِّ مَنْ هُوَ مَحْبُوسٌ فِي حَبْسِ الشَّرْعِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ.

وَمِنْ حُسْنِ نِيَّتِهِ لِلنَّاسِ أَنَّ الْأَسْعَارَ فِي الْمَوْصِلِ وَدِيَارِ الْجَزِيرَةِ كَانَتْ غَالِيَةً، فَرَخُصَتِ الْأَسْعَارُ، وَأَطْلَقَ حَمْلَ الْأَطْعِمَةِ إِلَيْهَا، وَأَنْ يَبِيعَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ الْبَيْعَ لِلْغَلَّةِ، فَحُمِلَ مِنْهَا الْكَثِيرُ الَّذِي لَا يُحْصَى، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ السِّعْرَ قَدْ غَلَا شَيْئًا، وَالْمَصْلَحَةُ الْمَنْعُ مِنْهُ، فَقَالَ: أُولَئِكَ مُسْلِمُونَ، وَهَؤُلَاءِ مُسْلِمُونَ، وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا النَّظَرُ فِي أَمْرِ هَؤُلَاءِ، كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْنَا النَّظَرُ لِأُولَئِكَ.

وَأَمَرَ أَنْ يُبَاعَ مِنَ الْأَهْرَاءِ الَّتِي لَهُ طَعَامٌ أَرْخَصُ مِمَّا يَبِيعُ غَيْرُهُ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَرَخُصَتِ الْأَسْعَارُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا أَكْثَرُ مِمَّا كَانَتْ أَوَّلًا، وَكَانَ السِّعْرُ فِي الْمَوْصِلِ لَمَّا وَلِيَ، كُلُّ مَكُّوكٍ بِدِينَارٍ وَثَلَاثَةِ قَرَارِيطَ، فَصَارَ كُلُّ أَرْبَعَةِ مَكَاكِيكَ بِدِينَارٍ فِي أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ، وَكَذَلِكَ بَاقِي الْأَشْيَاءِ مِنَ التَّمْرِ وَالدِّبْسِ، وَالْأَرُزِّ وَالسِّمْسِمِ وَغَيْرِهَا، فَاللَّهُ - تَعَالَى - يُؤَيِّدُهُ وَيَنْصُرُهُ وَيُبْقِيهِ، فَإِنَّهُ غَرِيبٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْفَاسِدِ.

وَلَقَدْ سَمِعْتُ عَنْهُ كَلِمَةً أَعْجَبَتْنِي جِدًّا، وَهِيَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي الَّذِي يُخْرِجُهُ وَيُطْلِقُهُ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا تَسْمَحُ نَفْسٌ بِبَعْضِهَا، فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا فَتَحْتُ الدُّكَّانَ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَاتْرُكُونِي أَفْعَلُ الْخَيْرَ، فَكَمْ أَعِيشُ؟ وَتَصَدَّقَ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَفَرَّقَ فِي الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الدِّينِ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ.

ذِكْرُ مُلْكِ بَدْرِ الدِّينِ قَلْعَتَيِ الْعِمَادِيَّةِ وَهَرُوزَ.

فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ بَدْرُ الدِّينِ قَلْعَةَ الْعِمَادِيَّةِ مِنْ أَعْمَالِ الْمَوْصِلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ عِصْيَانِ أَهْلِهَا عَلَيْهِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَتَسْلِيمِهَا إِلَى عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِي، ثُمَّ عَوْدِهِمْ إِلَى طَاعَةِ بَدْرِ الدِّينِ، وَخِلَافِهِمْ عَلَى عِمَادِ الدِّينِ، فَلَمَّا عَادُوا إِلَى بَدْرِ الدِّينِ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَأَعْطَاهُمُ الْإِقْطَاعَ الْكَثِيرَ، وَمَلَّكَهُمُ الْقُرَى، وَوَصَلَهُمْ بِالْأَمْوَالِ الْجَزِيلَةِ وَالْخِلَعِ السَّنِيَّةِ، فَبَقَوْا كَذَلِكَ مُدَّةً يَسِيرَةً.

ثُمَّ شَرَعُوا يُرَاسِلُونَ عِمَادَ الدِّينِ زِنْكِي، وَمُظَفَّرَ الدِّينِ صَاحِبَ إِرْبِلَ، وَشِهَابَ الدِّينِ غَازِي بْنِ الْعَادِلِ لَمَّا كَانَ بِخِلَاطَ، وَيَعِدُونَ كُلًّا مِنْهُمْ بِالِانْحِيَازِ إِلَيْهِ وَالطَّاعَةِ لَهُ، وَأَظْهَرُوا مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِبَدْرِ الدِّينِ مَا كَانُوا يُبْطِنُونَهُ، فَكَانُوا لَا يُمَكِّنُونَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرِ الدِّينِ إِلَّا مَنْ يُرِيدُونَهُ، وَيَمْنَعُونَ مَنْ كَرِهُوهُ، فَطَالَ الْأَمْرُ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>