للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْمَخْزَنَ كَانَ لَهُ صَنْجَةُ الذَّهَبِ تَزِيدُ عَلَى صَنْجَةِ الْبَلَدِ نِصْفَ قِيرَاطٍ، يَقْبِضُونَ بِهَا الْمَالَ، وَيُعْطُونَ بِالصَّنْجَةِ الَّتِي لِلْبَلَدِ يَتَعَامَلُ بِهَا النَّاسُ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ فَخَرَجَ خَطُّهُ إِلَى الْوَزِيرِ، وَأَوَّلَهُ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين: ١] . قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ الْأَمْرَ كَذَا وَكَذَا، فَتُعَادُ صَنْجَةُ الْمَخْزَنِ إِلَى الصَّنْجَةِ الَّتِي يَتَعَامَلُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ، وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.

فَكَتَبَ بَعْضُ النُّوَّابِ إِلَيْهِ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا مَبْلَغٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ حَسَبْنَاهُ فَكَانَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَأَعَادَ الْجَوَابَ يُنْكِرُ عَلَى الْقَائِلِ، وَيَقُولُ: لَوْ أَنَّهُ ثَلَاثُ مِائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسُونَ أَلْفَ دِينَارٍ يُطْلَقُ.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا فَعَلَ فِي إِطْلَاقِ زِيَادَةِ الصَّنْجَةِ الَّتِي لِلدِّيوَانِ، وَهِيَ فِي كُلِّ دِينَارٍ حَبَّةٌ، وَتَقَدَّمَ إِلَى الْقَاضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ عَرَضَ عَلَيْهِ كِتَابًا صَحِيحًا بِمِلْكٍ يُعِيدُهُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ، وَأَقَامَ رَجُلًا صَالِحًا فِي وِلَايَةِ الْحَشْرِيِّ وَبَيْتِ الْمَالِ، وَكَانَ الرَّجُلُ حَنْبَلِيًّا، فَقَالَ: إِنَّنِي مِنْ مَذْهَبِي أَنْ أُوَرِّثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَإِنْ أَذِنَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ، وَلِيتُ وَإِلَّا فَلَا. فَقَالَ لَهُ: أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَاتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَتَّقِ سِوَاهُ.

وَمِنْهَا أَنَّ الْعَادَةَ كَانَتْ بِبَغْدَادَ أَنَّ الْحَارِسَ بِكُلِّ دَرْبٍ يُبَكِّرُ، وَيَكْتُبُ مُطَالَعَةً إِلَى الْخَلِيفَةِ بِمَا تَجَدَّدَ فِي دَرْبِهِ مِنَ اجْتِمَاعِ بَعْضِ الْأَصْدِقَاءِ بِبَعْضٍ عَلَى نُزْهَةٍ، أَوْ سَمَاعٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَيُكْتَبُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، فَكَانَ النَّاسُ مِنْ هَذَا فِي حَجْرٍ عَظِيمٍ، فَلَمَّا وَلِيَ هَذَا الْخَلِيفَةُ - جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا - أَتَتْهُ الْمُطَالَعَاتُ عَلَى الْعَادَةِ، فَأَمَرَ بِقَطْعِهَا، وَقَالَ: أَيُّ غَرَضٍ لَنَا فِي مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي بُيُوتِهِمْ؟ فَلَا يَكْتُبُ أَحَدٌ إِلَيْنَا إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ دَوْلَتِنَا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْعَامَّةَ تَفْسُدُ بِذَلِكَ، وَيَعْظُمُ شَرُّهَا، فَقَالَ: نَحْنُ نَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَهُمْ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ، وَصَلَ صَاحِبُ الدِّيوَانِ مِنْ وَاسِطَ، وَكَانَ قَدْ سَارَ إِلَيْهَا أَيَّامَ النَّاصِرِ لِتَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ، فَأُصْعِدَ، وَمَعَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَتَبَ مُطَالَعَةً تَتَضَمَّنُ ذِكْرَ مَا مَعَهُ، وَيَسْتَخْرِجُ الْأَمْرَ فِي حَمْلِهِ، فَأَعَادَ الْجَوَابَ بِأَنْ يُعَادَ إِلَى أَرْبَابِهِ، فَلَا حَاجَةَ لَنَا إِلَيْهِ، فَأُعِيدُ عَلَيْهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>