للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِابْنَتِهِ، وَكَانَ لِمُحَمَّدٍ وَلَدٌ آخَرُ اسْمُهُ قَلِجْ أَرْسِلَانَ، وَلَقَبُهُ صَلَاحُ الدِّينِ، وَهُوَ بِدِمَشْقَ، فَحَضَرَ إِلَى مَدِينَةِ حَمَاةَ فَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الْمَدِينَةِ وَعَلَى قَلْعَتِهَا، فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ [الْكَامِلُ] يَأْمُرُهُ أَنْ يُسَلِّمَ الْبَلَدَ إِلَى أَخِيهِ الْأَكْبَرِ، فَإِنَّ أَبَاهُ أَوْصَى لَهُ بِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ صَاحِبِ دِمَشْقَ، فَلَمْ تَقَعِ الْإِجَابَةُ.

فَلَمَّا تُوُفِّيَ الْمُعَظَّمُ، وَخَرَجَ الْكَامِلُ إِلَى الشَّامِ وَمَلَكَ دِمَشْقَ، سَيَّرَ جَيْشًا إِلَى حَمَاةَ فَحَصَرَهَا ثَالِثَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ الْمُقَدَّمَ عَلَى هَذَا الْجَيْشِ أَسَدُ الدِّينِ شِيرْكُوهْ صَاحِبُ حِمْصَ، وَأَمِيرٌ كَبِيرٌ مِنْ عَسْكَرِهِ يُقَالُ لَهُ فَخْرُ الدِّينِ عُثْمَانُ، وَمَعَهُمَا وَلَدُ مُحَمَّدِ بْنِ تَقِيِّ الدِّينِ مُحَمَّدٍ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْكَامِلِ، فَبَقِيَ الْحِصَارُ عَلَى الْبَلَدِ عِدَّةَ أَيَّامٍ.

وَكَانَ الْمَلِكُ الْكَامِلُ قَدْ سَارَ عَنْ دِمَشْقَ وَنَزَلَ عَلَى سَلَمِيَّةَ يُرِيدُ الْعُبُورَ إِلَى الْبِلَادِ الْجَزْرِيَّةِ، حَرَّانَ وَغَيْرَهَا، فَلَمَّا نَازَلَهَا قَصَدَهُ صَاحِبُ حَمَاةَ صَلَاحُ الدِّينِ، وَنَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ قَلْعَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ سَبَبٌ إِلَّا أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ صَلَاحَ الدِّينِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أُرِيدُ النُّزُولَ إِلَى الْمَلِكِ الْكَامِلِ، فَقَالُوا لَهُ: لَيْسَ بِالشَّامِ أَحْصَنُ مِنْ قَلْعَتِكَ، وَقَدْ جَمَعْتَ مِنَ الذَّخَائِرِ مَا لَا حَدَّ لَهُ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ تَنْزِلُ إِلَيْهِ؟ لَيْسَ هَذَا بِرَأْيٍ، فَأَصَرَّ عَلَى النُّزُولِ، وَأَصَرُّوا عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ:

اتْرُكُونِي أَنْزِلُ، وَإِلَّا أَلْقَيْتُ نَفْسِي مِنَ الْقَلْعَةِ، فَحِينَئِذٍ سَكَتُوا عَنْهُ، فَنَزَلَ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، وَوَصَلَ إِلَى الْكَامِلِ، فَاعْتَقَلَهُ إِلَى أَنْ سَلَّمَ مَدِينَةَ حَمَاةَ وَقَلْعَتَهَا إِلَى أَخِيهِ الْأَكْبَرِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ، وَبَقِيَ بِيَدِهِ قَلْعَةُ بَارِينَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ لَهُ، وَكَانَ هُوَ كَالْبَاحِثِ عَنْ حَتْفِهِ بِظِلْفِهِ.

ذِكْرُ حَصْرِ جَلَالِ الدِّينِ خِلَاطَ وَمُلْكِهَا.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوَائِلَ شَوَّالٍ، حَصَرَ جَلَالُ الدِّينِ خُوَارَزْمُ شَاهْ مَدِينَةَ خِلَاطَ، وَهِيَ لِلْمَلِكِ الْأَشْرَفِ، وَبِهَا عَسْكَرُهُ، فَامْتَنَعُوا بِهَا، وَأَعَانَهُمْ أَهْلُ الْبَلَدِ خَوْفًا مِنْ جَلَالِ الدِّينِ لِسُوءِ سِيرَتِهِ، وَأَسْرَفُوا فِي الشَّتْمِ وَالسَّفَهِ، فَأَخَذَهُ اللَّجَاجُ مَعَهُمْ، وَأَقَامَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ الشِّتَاءِ مُحَاصِرًا، وَفَرَّقَ كَثِيرًا مِنْ عَسَاكِرِهِ فِي الْقُرَى وَالْبِلَادِ الْقَرِيبَةِ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَكَثْرَةِ الثَّلْجِ، فَإِنَّ خِلَاطَ مِنْ أَشَدِّ الْبِلَادِ بَرْدًا وَأَكْثَرِهَا ثَلْجًا.

وَأَبَانَ جَلَالُ الدِّينِ عَنْ عَزْمٍ قَوِيٍّ، وَصَبْرٍ تَحَارُ الْعُقُولُ مِنْهُ، وَنَصَبَ عَلَيْهَا عِدَّةَ مَجَانِيقَ، وَلَمْ يَزَلْ يَرْمِيهَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى خُرِّبَتْ بَعْضُ سُورِهَا، فَأَعَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>