للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ الْمُتَوَلِّي لِبِلَادِ خِلَاطَ وَالْحَاكِمُ فِيهَا مِنْ قِبَلِ الْأَشْرَفِ.

وَلَمْ نَعْلَمْ شَيْئًا يُوجِبُ الْقَبْضَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ مُشْفِقًا عَلَيْهِ، نَاصِحًا لَهُ، حَافِظًا لِبِلَادِهِ، وَحَسَنَ السِّيرَةِ مَعَ الرَّعِيَّةِ، وَلَقَدْ وَقَفَ هَذِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ فِي وَجْهِ خُوَارَزْمَ شَاهْ جَلَالُ الدِّينِ، وَحَفِظَ خِلَاطَ حِفْظًا يَعْجَزُ غَيْرُهُ عَنْهُ، وَكَانَ مُهْتَمًّا بِحِفْظِ بِلَادِهِ، وَذَابًّا عَنْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ قَصْدِهِ بِلَادَ جَلَالِ الدِّينِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى بَعْضِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى هِمَّةٍ عَالِيَةٍ، وَشَجَاعَةٍ تَامَّةٍ، وَصَارَ لِصَاحِبِهِ بِهِ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ، فَإِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: بَعْضُ غِلْمَانِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ يُقَاوِمُ خُوَارَزْمَ شَاهْ.

وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَثِيرَ الْخَيْرِ وَالْإِحْسَانِ، لَا يُمَكِّنُ أَحَدًا مِنْ ظُلْمٍ، وَعَمِلَ كَثِيرًا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، مِنَ الْخَانَاتِ فِي الطُّرُقِ، وَالْمَسَاجِدِ فِي الْبِلَادِ، وَبَنَى بِخِلَاطَ بِيمَارِسْتَانًا وَجَامِعًا، وَعَمِلَ كَثِيرًا مِنَ الطُّرُقِ، وَأَصْلَحَهَا كَانَ يَشُقُّ سُلُوكَهَا.

فَلَمَّا وَصَلَ أَيْبَكُ إِلَى خِلَاطَ، قَبَضَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَتَلَهُ غِيلَةً ; لِأَنَّهُ كَانَ عَدُوَّهُ، وَلَمَّا قُتِلَ ظَهَرَ أَثَرُ كِفَايَتِهِ، فَإِنَّ جَلَالَ الدِّينِ حَصَرَ خِلَاطَ بَعْدَ قَبْضِهِ وَمَلَكَهَا، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَمْ يُمْهِلِ اللَّهُ أَيْبَكَ، بَلِ انْتَقَمَ مِنْهُ سَرِيعًا، فَإِنَّ جَلَالَ الدِّينِ أَخَذَ أَيْبَكَ أَسِيرًا لَمَّا مَلَكَ خِلَاطَ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فَلَمَّا اصْطَلَحَ الْأَشْرَفُ وَجَلَالُ الدِّينِ أَطْلَقَ الْجَمِيعَ، وَذَكَرَ أَنَّ أَيْبَكَ قُتِلَ.

وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّ مَمْلُوكًا لِلْحَاجِبِ عَلَيٍّ كَانَ قَدْ هَرَبَ إِلَى جَلَالِ الدِّينِ، فَلَمَّا أُسِرَ أَيْبَكُ، طَلَبَهُ ذَلِكَ الْمَمْلُوكُ مِنْ جَلَالِ الدِّينِ لِيَقْتُلَهُ بِصَاحِبِهِ الْحَاجِبِ عَلِيٍّ، فَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ، وَبَلَغَنِي أَنَّ الْمَلِكَ الْأَشْرَفَ رَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ الْحَاجِبَ عَلِيًّا قَدْ دَخَلَ إِلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَيْبَكَ، فَأَخَذَ مِنْدِيلًا وَجَعَلَهُ فِي رَقَبَةِ أَيْبَكَ وَأَخَذَهُ وَخَرَجَ، فَأَصْبَحَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ وَقَالَ: قَدْ مَاتَ أَيْبَكُ، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَذَا وَكَذَا.

ذِكْرُ مُلْكِ الْكَامِلِ مَدِينَةَ حَمَاةَ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوَاخِرَ شَهْرِ رَمَضَانَ، مَلَكَ الْمَلِكُ الْكَامِلُ مَدِينَةَ حَمَاةَ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَلِكَ الْمَنْصُورَ مُحَمَّدَ بْنَ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ، وَهُوَ صَاحِبُ حَمَاةَ، تُوُفِّيَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، حَلَفَ الْجُنْدُ وَأَكَابِرُ الْبَلَدِ لِوَلَدِهِ الْأَكْبَرِ، وَيُلَقَّبُ بِالْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ، وَكَانَ قَدْ سَيَّرَهُ أَبُوهُ إِلَى الْمَلِكِ الْكَامِلِ صَاحِبِ مِصْرَ ; لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>