قُبِضْتَ السَّاعَةَ، فَأَخْرَجَهُ، وَلَمْ يُمْكِنِ الْأَشْرَفُ مَنْعَهُ ; لِأَنَّ أَيْبَكَ كَانَ قَدْ أَرْكَبَ الْعَسْكَرَ الَّذِي لَهُمْ جَمِيعَهُ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنَ الَّذِينَ مَعَ الْأَشْرَفِ، فَخَرَجَ دَاوُدُ وَسَارَ هُوَ وَعَسْكَرُهُ إِلَى دِمَشْقَ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَيْبَكَ قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْأَشْرَفَ يُرِيدُ الْقَبْضَ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَخْذِ دِمَشْقَ مِنْهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا عَادُوا، وَصَلَتِ الْعَسَاكِرُ مِنَ الْكَامِلِ إِلَى الْأَشْرَفِ، وَسَارَ فَنَازَلَ دِمَشْقَ وَحَصَرَهَا، وَأَقَامَ مُحَاصِرًا لَهَا إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ الْكَامِلُ، فَحِينَئِذٍ اشْتَدَّ الْحِصَارُ، وَعَظُمَ الْخَطْبُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ.
وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ الْأُمُورِ عَلَى صَاحِبِهَا أَنَّ الْمَالَ عِنْدَهُ قَلِيلٌ ; لِأَنَّ أَمْوَالَهُ بِالْكَرَكِ، وَلِوُثُوقِهِ بِعَمِّهِ الْأَشْرَفِ لَمْ يُحْضِرْ مِنْهَا شَيْئًا، فَاحْتَاجَ إِلَى أَنْ بَاعَ حُلِيَّ نِسَائِهِ وَمَلْبُوسَهُنَّ، وَضَاقَتِ الْأُمُورُ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ إِلَى عَمِّهِ الْكَامِلِ وَبَذَلَ لَهُ تَسْلِيمَ دِمَشْقَ وَقَلْعَةَ الشَّوْبَكِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الْكَرَكُ، وَالْغَوْرُ، وَبَيْسَانُ، وَنَابُلُسُ، وَأَنْ يُبْقِيَ عَلَىَ أَيْبَكَ قَلْعَةَ صَرْخَدَ وَأَعْمَالَهَا.
وَتَسَلَّمَ الْكَامِلُ دِمَشْقَ، وَجَعَلَ نَائِبَهُ بِالْقَلْعَةِ إِلَى أَنْ سَلَّمَ إِلَيْهِ أَخُوهُ الْأَشْرَفُ حَرَّانَ وَالرُّهَا، وَالرَّقَّةَ وَسَرُوجَ، وَرَأْسَ عَيْنٍ مِنَ الْجَزِيرَةِ، فَلَمَّا تَسَلَّمَ ذَلِكَ، سَلَّمَ قَلْعَةَ دِمَشْقَ إِلَى أَخِيهِ الْأَشْرَفِ، فَدَخَلَهَا وَأَقَامَ بِهَا، وَسَارَ الْكَامِلُ إِلَى الدِّيَارِ الْجَزْرِيَّةِ، فَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنِ اسْتَدْعَى أَخَاهُ الْأَشْرَفَ بِسَبَبِ حَصْرِ جَلَالِ الدِّينِ بْنِ خُوَارَزْمَ شَاهْ مَدِينَةَ خِلَاطَ، فَلَمَّا حَضَرَ عِنْدَهُ بِالرَّقَّةِ، عَادَ الْكَامِلُ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ، وَأَمَّا الْأَشْرَفُ فَكَانَ مِنْهُ مَا نَذْكُرُهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ الْقَبْضِ عَلَى الْحَاجِبِ عَلَيٍّ وَقَتْلِهِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَرْسَلَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ مَمْلُوكَهُ عِزَّ الدِّينِ أَيْبَكَ، وَهُوَ أَمِيرٌ كَبِيرٌ فِي دَوْلَتِهِ إِلَى مَدِينَةِ خِلَاطَ، وَأَمَرَهُ بِالْقَبْضِ عَلَى الْحَاجِبِ حُسَامِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ حَمَّادٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute