يَرُدُّهُمْ أَمْ لَا، فَلَمَّا عَادُوا، أَخْبَرُوا مَلِكَهُمْ بِخُلُوِّ الْبِلَادِ مِنْ مَانِعٍ وَمُدَافِعٍ، وَأَنَّ الْبِلَادَ خَالِيَةٌ مِنْ مَلِكٍ وَعَسَاكِرَ، فَقَوِيَ طَمَعُهُمْ، وَهُمْ فِي الرَّبِيعِ يَقْصِدُونَكُمْ، وَمَا يَبْقَى عِنْدَكُمْ مُقَامٌ، إِلَّا إِنْ كَانَ فِي بَلَدِ الْغَرْبِ، فَإِنَّ عَزْمَهُمْ عَلَى قَصْدِ الْبِلَادِ جَمِيعِهَا، فَانْظُرُوا لِأَنْفُسِكُمْ. هَذَا مَضْمُونُ الْكِتَابِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَأَمَّا جَلَالُ الدِّينِ فَإِلَى آخِرِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ [وَسِتِّمِائَةٍ] لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَبَرٌ، وَكَذَلِكَ إِلَى سَلْخِ صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ لَمْ نَقِفْ لَهُ عَلَى حَالٍ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَلَّتِ الْأَمْطَارُ بِدِيَارِ الْجَزِيرَةِ وَالشَّامِ، وَلَا سِيَّمَا حَلَبَ وَأَعْمَالَهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ قَلِيلَةً بِالْمَرَّةِ، وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ بِالْبِلَادِ، وَكَانَ أَشَدَّهَا غَلَاءً حَلَبُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالشَّدِيدِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ، فَأَخْرَجَ أَتَابِكُ شِهَابُ الدِّينِ، وَهُوَ وَالِي الْأَمْرِ بِحَلَبَ، وَالْمَرْجِعُ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَهُوَ الْمُدَبِّرُ لِدَوْلَةِ سُلْطَانِهَا الْمَلِكِ الْعَزِيزِ ابْنِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ، وَالْمُرَبِّي لَهُ، مِنَ الْمَالِ وَالْغَلَّاتِ كَثِيرًا، وَتَصَدَّقَ صَدَقَاتٍ دَارَّةً، وَسَاسَ الْبِلَادَ سِيَاسَةً حَسَنَةً بِحَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ لِلْغَلَاءِ أَثَرٌ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا.
وَفِيهَا بَنَى أَسَدُ الدِّينِ شِيرْكُوهْ، صَاحِبُ حِمْصَ وَالرَّحَبَةِ، قَلْعَةً عِنْدَ سَلَمِيَّةَ، وَسَمَّاهَا سُمَيْمِسَ، وَكَانَ الْمَلِكُ الْكَامِلُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ، قَدْ خَدَمَهُ أَسَدُ الدِّينِ، وَنَصَحَ لَهُ، وَلَهُ أَثَرٌ عَظِيمٌ فِي طَاعَتِهِ وَالْمُقَاتَلَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَقْطَعَهُ مَدِينَةَ سَلَمِيَّةَ، فَبَنَى هَذِهِ الْقَلْعَةَ بِالْقُرْبِ مِنْ سَلَمِيَّةِ، وَهِيَ عَلَى تَلٍّ عَالٍ.
وَفِيهَا قَصَدَ الْفِرِنْجُ الَّذِينَ بِالشَّامِ مَدِينَةَ جَبَلَةَ، وَهِيَ بَيْنَ جُمْلَةِ الْمُدُنِ الْمُضَافَةِ إِلَى حَلَبَ، وَدَخَلُوا إِلَيْهَا، وَأَخَذُوا مِنْهَا غَنِيمَةً وَأَسْرَى، فَسَيَّرَ أَتَابِكْ شِهَابُ الدِّينِ إِلَيْهِمُ الْعَسَاكِرَ مَعَ أَمِيرٍ كَانَ أُقْطِعَهَا، فَقَاتَلَ الْفِرِنْجَ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ كَثِيرًا، وَاسْتَرَدَّ الْأَسْرَى وَالْغَنِيمَةَ.
[الْوَفَيَاتُ] .
وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْقَاضِي ابْنُ غَنَائِمِ بْنِ الْعَدِيمِ الْحَلَبِيُّ، الشَّيْخُ الصَّالِحُ، وَكَانَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ وَالرِّيَاضَةِ وَالْعَامِلِينَ بِعِلْمِهِ، فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute