للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدٌ، وَلَا وَقَفَ فِي وُجُوهِهِمْ وَاقِفٌ، وَمُلُوكُ الْإِسْلَامِ مُنْجَحِرُونَ فِي الْأَثْقَابِ، وَانْضَافَ إِلَى هَذَا انْقِطَاعُ أَخْبَارِ جَلَالِ الدِّينِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَبَرٌ، وَلَا عَلِمُوا لَهُ حَالَةً، سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَأَذْعَنُوا لِلتَّتَرِ بِالطَّاعَةِ، وَحَمَلُوا إِلَيْهِمْ مَا طَلَبُوا مِنْهُمْ مَنِ الْأَمْوَالِ وَالثِّيَابِ.

مِنْ ذَلِكَ مَدِينَةُ تِبْرِيزَ الَّتِي هِيَ أَصْلُ بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ، وَمَرْجِعُ الْجَمِيعِ إِلَيْهَا وَإِلَى مَنْ بِهَا، فَإِنَّ مَلِكَ التَّتَرِ نَزَلَ فِي عَسَاكِرِهِ بِالْقُرْبِ مِنْهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى أَهْلِهَا يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ، وَيَتَهَدَّدُهُمْ إِنِ امْتَنَعُوا عَلَيْهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ الْمَالَ الْكَثِيرَ، وَالتُّحَفَ مِنْ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ الْإِبَرَيْسَمِ وَغَيْرِهَا، وَكُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخَمْرَ، وَبَذَلُوا لَهُ الطَّاعَةَ، فَأَعَادَ الْجَوَابَ يَشْكُرُهُمْ، وَيَطْلُبُ مِنْهُمْ أَنْ يَحْضُرَ مُقَدَّمُوهُمْ عِنْدَهُ، فَقَصَدَهُ قَاضِي الْبَلَدِ وَرَئِيسُهُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِهِ، وَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ شَمْسُ الدِّينِ الطُّغْرَائِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَرْجِعُ الْجَمِيعُ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُظْهِرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

فَلَمَّا حَضَرُوا عِنْدَهُ، سَأَلَهُمْ عَنِ امْتِنَاعِ الطُّغْرَائِيِّ مِنَ الْحُضُورِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ رَجُلٌ مُنْقَطِعٌ، مَا لَهُ بِالْمُلُوكِ تَعَلُّقٌ، وَنَحْنُ الْأَصْلُ، فَسَكَتَ ثُمَّ طَلَبَ أَنْ يُحْضِرُوا عِنْدَهُ مِنْ صُنَّاعِ الثِّيَابِ الْخِطَائِيِّ وَغَيْرِهَا، لِيُسْتَعْمَلَ لِمَلِكِهِمُ الْأَعْظَمِ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ مِنْ أَتْبَاعِ ذَلِكَ الْمَلِكِ، فَأَحْضَرُوا الصُّنَّاعَ، فَاسْتَعْمَلَهُمْ فِي الَّذِي أَرَادُوا، وَوَزَنَ أَهْلَ تِبْرِيزَ الثَّمَنَ، وَطَلَبَ مِنْهُمْ خَرْكَاةً لِمُلْكِهِ أَيْضًا، فَعَمِلُوا لَهُ خَرْكَاةً لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُهَا، وَعَمِلُوا غِشَاءَهَا مِنَ الْأَطْلَسِ الْجَيِّدِ الْمُزَرْكَشِ، وَعَمِلُوا مِنْ دَاخِلِهَا السَّمُّورَ وَالْقُنْدُزَ، فَجَاءَتْ عَلَيْهِمْ بِجُمْلَةٍ كَثِيرَةٍ، وَقَرَّرَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ كُلَّ سَنَةٍ، وَتَرَدَّدَتْ رُسُلُهُمْ إِلَى دِيوَانِ الْخِلَافَةِ وَإِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُلُوكِ يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَنْصُرُونَ خُوَارَزْمَ شَاهْ.

وَلَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى كِتَابٍ وَصَلَ مِنْ تَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، قَبْلَ خُرُوجِ التَّتَرِ، فَلَمَّا وَصَلَ التَّتَرُ إِلَى الرَّيِّ وَأَطَاعَهُمْ أَهْلُهَا، وَسَارُوا إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، سَارَ هُوَ مَعَهُمْ إِلَى تِبْرِيزَ، فَكَتَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ بِالْمَوْصِلِ يَقُولُ: إِنَّ الْكَافِرَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - مَا نَقْدِرُ [أَنْ] نَصِفَهُ، وَلَا نَذْكُرَ جُمُوعَهُ حَتَّى لَا تَنْقَطِعَ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْأَمْرَ عَظِيمٌ، وَلَا تَظُنُّوا أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ الَّتِي وَصَلَتْ إِلَى نَصِيبِينَ وَالْخَابُورِ، وَالطَّائِفَةَ الْأُخْرَى الَّتِي وَصَلَتْ إِلَى إِرْبِلَ وَدَقُوقَا، كَانَ قَصْدُهُمُ النَّهْبَ، إِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَعْلَمُوا هَلْ فِي الْبِلَادِ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>