فَلَمَّا تَرَكَ قُصَيٌّ قُرَيْشًا بِمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا مَلَّكُوهُ عَلَيْهِمْ. فَكَانَ أَوَّلَ وَلَدِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَهُ بِهِ قَوْمُهُ، وَكَانَ إِلَيْهِ الْحِجَابَةُ وَالسِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ وَالنَّدْوَةُ وَاللِّوَاءُ، فَحَازَ شَرَفَ قُرَيْشٍ كُلَّهُ، وَقَسَّمَ مَكَّةَ أَرْبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ، فَبَنَوُا الْمَسَاكِنَ وَاسْتَأْذَنُوهُ فِي قَطْعِ الشَّجَرِ، فَمَنَعَهُمْ، فَبَنَوْا وَالشَّجَرُ فِي مَنَازِلِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَطَعُوهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَتَيَمَّنَتْ قُرَيْشٌ بِأَمْرِهِ فَمَا تَنْكِحُ امْرَأَةٌ وَلَا رَجُلٌ إِلَّا فِي دَارِهِ، وَلَا يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِمْ إِلَّا فِي دَارِهِ، وَلَا يَعْقِدُونَ لِوَاءً لِلْحَرْبِ إِلَّا فِي دَارِهِ، يَعْقِدُهُ بَعْضُ وَلَدِهِ، وَمَا تَدَّرِعُ جَارِيَةٌ إِذَا بَلَغَتْ أَنْ تَدَّرِعَ إِلَّا فِي دَارِهِ، وَكَانَ أَمْرُهُ فِي قَوْمِهِ كَالدِّينِ الْمُتَّبَعِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ. فَاتَّخَذَ دَارَ النَّدْوَةِ وَبَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَفِيهَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقْضِي أُمُورَهَا.
فَلَمَّا كَبِرَ قُصَيٌّ وَرَقَّ، وَكَانَ وَلَدُهُ عَبْدُ الدَّارِ أَكْبَرَ وَلَدِهِ، وَكَانَ ضَعِيفًا، وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ سَادَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَكَذَلِكَ إِخْوَتُهُ، قَالَ قُصَيٌّ لِعَبْدِ الدَّارِ: وَاللَّهِ لَأُلْحِقَنَّكَ بِهِمْ! فَأَعْطَاهُ دَارَ النَّدْوَةِ وَالْحِجَابَةَ، وَهِيَ حِجَابَةُ الْكَعْبَةِ، وَاللِّوَاءَ، وَهُوَ كَانَ يَعْقِدُ لِقُرَيْشٍ أَلْوِيَتَهُمْ وَالسِّقَايَةَ، كَانَ يَسْقِي الْحَاجَّ، وَالرِّفَادَةَ، وَهِيَ خَرْجٌ تُخْرِجُهُ قُرَيْشٌ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ مِنْ أَمْوَالِهَا إِلَى قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ فَيَصْنَعُ مِنْهُ طَعَامًا لِلْحَاجِّ يَأْكُلُهُ الْفُقَرَاءُ، وَكَانَ قُصَيٌّ قَدْ قَالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّكُمْ جِيرَانُ اللَّهِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَإِنَّ الْحَاجَّ ضَيْفُ اللَّهِ وَزُوَّارُ بَيْتِهِ، وَهُمْ أَحَقُّ الضَّيْفِ بِالْكَرَامَةِ، فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيَّامَ الْحَجِّ. فَفَعَلُوا فَكَانُوا يُخْرِجُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَيَصْنَعُ بِهِ الطَّعَامَ أَيَّامَ مِنًى، فَجَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ إِلَى الْآنَ، فَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يَصْنَعُهُ الْخُلَفَاءُ كُلَّ عَامٍ بِمِنًى.
فَأَمَّا الْحِجَابَةُ فَهِيَ فِي وَلَدِهِ إِلَى الْآنَ، وَهُمْ بَنُو شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ.
وَأَمَّا اللِّوَاءُ فَلَمْ يَزَلْ فِي وَلَدِهِ إِلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ، فَقَالَ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلِ اللِّوَاءَ فِينَا. فَقَالَ: " الْإِسْلَامُ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ ". فَبَطَلَ.
وَأَمَّا الرِّفَادَةُ وَالسِّقَايَةُ فَإِنَّ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ: عَبْدُ شَمْسٍ، وَهَاشِمٌ، وَالْمُطَّلِبُ، وَنَوْفَلٌ، أَجْمَعُوا أَنْ يَأْخُذُوهَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ لِشَرَفِهِمْ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِمْ، فَتَفَرَّقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُرَيْشٌ، فَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَطَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute