قَالَ: ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرَائِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ! فَدَخَلْنَا، فَإِذَا رَجُلٌ أَشْمَطُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، وَحَوْلَهُ قَوْمٌ بِيضُ الْوُجُوهِ أَمْثَالُ الْقَرَاطِيسِ، وَقَوْمٌ فِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ. فَقَامَ الَّذِينَ فِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ فَاغْتَسَلُوا فِي نَهْرٍ، وَخَرَجُوا وَقَدْ صَارَتْ وُجُوهُهُمْ مِثْلَ وُجُوهِ أَصْحَابِهِمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ، وَهَؤُلَاءِ الْبِيضُ الْوُجُوهِ قَوْمٌ لَمْ يُلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ فَقَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، فَتَابُوا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ مُسْتَنِدٌ إِلَى بَيْتٍ، فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ.
قَالَ: وَأَخَذَنِي جِبْرَائِيلُ فَانْتَهَيْنَا إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَأَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، قَالَ: وَغَشِيَهَا مِنْ نُورِ اللَّهِ مَا غَشِيَهَا، وَغَشِيَهَا الْمَلَائِكَةُ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَتَحَوَّلَتْ حَتَّى مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَنْعَتَهَا، وَقَامَ جِبْرَائِيلُ فِي وَسَطِهَا، فَقَالَ جِبْرَائِيلُ: تَقَدَّمْ يَا مُحَمَّدُ. فَتَقَدَّمْتُ وَجِبْرَائِيلُ مَعِي إِلَى الْحِجَابِ، فَأَخَذَ بِي مَلَكٌ وَتَخَلَّفَ عَنِّي جِبْرَائِيلُ، فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: ١٦٤] وَهَذَا مُنْتَهَى الْخَلَائِقِ.
فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى الْعَرْشِ، فَاتَّضَحَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَ الْعَرْشِ، وَكَلَّ لِسَانِي مِنْ هَيْبَةِ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ أَنْطَقَ اللَّهُ لِسَانِي فَقُلْتُ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ وَالصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، وَفَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِينَ صَلَاةً. وَرَجَعْتُ إِلَى جِبْرَائِيلَ فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَدْخَلَنِي الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ الْقُصُورَ مِنَ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، وَرَأَيْتُ نَهْرًا يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهِ مَاءٌ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، يَجْرِي عَلَى رَضْرَاضٍ مِنَ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالْمِسْكِ، فَقَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيَّ النَّارَ، فَنَظَرْتُ إِلَى أَغْلَالِهَا وَسَلَاسِلِهَا وَحَيَّاتِهَا وَعَقَارِبِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ.
ثُمَّ أَخْرَجَنِي، فَانْحَدَرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا مُوسَى، فَقَالَ: مَاذَا فُرِضَ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُهُمْ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute