فَتَكَلَّمَ وَتَلَا الْقُرْآنَ، وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَالَ: «تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ» .
ثُمَّ أَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَنَمْنَعَنَّكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَحْنُ وَاللَّهِ أَهْلُ الْحَرْبِ.
فَاعْتَرَضَ الْكَلَامَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ حِبَالًا، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا، يَعْنِي الْيَهُودَ، فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَظْهَرَكَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا؟ .
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: بَلِ الدَّمَ الدَّمَ، وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، أَنْتُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْكُمْ، أُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ وَأُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَخْرِجُوا إِلَيَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا يَكُونُونَ عَلَى قَوْمِهِمْ» "، فَأَخْرَجُوهُمْ تِسْعَةً مِنَ الْخَزْرَجِ وَثَلَاثَةً مِنَ الْأَوْسِ.
وَقَالَ لَهُمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ هَلْ تَدْرُونَ عَلَامَ تُبَايِعُونَ هَذَا الرَّجُلَ؟ تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ إِذَا نُهِكَتْ أَمْوَالُكُمْ مُصِيبَةً وَأَشْرَافُكُمْ قَتْلًا أَسْلَمْتُمُوهُ، فَمِنَ الْآنَ فَهُوَ وَاللَّهِ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ فَخُذُوهُ، فَهُوَ وَاللَّهِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
قَالُوا: فَإِنَّا نَأْخُذُهُ عَلَى مُصِيبَةِ الْأَمْوَالِ وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ، فَمَا لَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجَنَّةُ. قَالُوا: ابْسُطْ يَدَكَ، فَبَايَعُوهُ.
وَمَا قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ ذَلِكَ إِلَّا لِيَشُدَّ الْعَقْدَ لَهُ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: بَلْ قَالَهُ لِيُؤَخِّرَ الْأَمْرَ لِيَحْضُرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ فَيَكُونَ أَقْوَى لِأَمْرِ الْقَوْمِ.
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَقِيلَ: أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، وَقِيلَ: الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ. ثُمَّ تَتَابَعَ الْقَوْمُ فَبَايَعُوا، فَلَمَّا بَايَعُوهُ صَرَخَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْعَقَبَةِ: يَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute