أَهْلَ الْجَبَاجِبِ، هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصُّبَاةُ مَعَهُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا وَاللَّهِ لَأَفْرُغَنَّ لَكَ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ! " ثُمَّ قَالَ: " ارْفُضُوا إِلَى رِحَالِكُمْ " فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَئِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ غَدًا عَلَى أَهْلِ مِنًى بِأَسْيَافِنَا. فَقَالَ: " لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ "، فَرَجَعُوا.
فَلَمَّا أَصْبَحُوا جَاءَهُمْ جُلَّةُ قُرَيْشٍ فَقَالُوا: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكُمْ جِئْتُمْ إِلَى صَاحِبِنَا تَسْتَخْرِجُونَهُ وَتُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِنَا، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مِنْ حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَبْغَضُ إِلَيْنَا أَنْ تَنْشَبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الْحَرْبُ مِنْكُمْ. فَحَلَفَ مَنْ هُنَالِكَ مِنْ مُشْرِكِي الْأَنْصَارِ مَا كَانَ هَذَا شَيْءٌ.
فَلَمَّا سَارَ الْأَنْصَارُ مِنْ مَكَّةَ قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ! قَدْ رَأَيْتُ أَنْ لَا أَسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ فِي صَلَاتِي. فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَقْبِلُ الشَّامَ، فَنَحْنُ لَا نُخَالِفُهُ، فَكَانَ يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَقَدْ كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا. فَرَجَعَ إِلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ. فَلَمَّا بَايَعُوهُ وَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، كَانَ قُدُومُهُمْ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ، وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَقَدَمِهَا لِاثْنَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ.
وَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ لَمَّا بَلَغَهُمْ إِسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ، اشْتَدُّوا عَلَى مَنْ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحَرَصُوا عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ، فَأَصَابَهُمْ جُهْدٌ شَدِيدٌ، وَهِيَ الْفِتْنَةُ الْآخِرَةُ، وَأَمَّا الْأُولَى فَكَانَتْ قَبْلَ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ.
وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ فِي هَذِهِ الْعَقَبَةِ عَلَى غَيْرِ الشُّرُوطِ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ الْأُولَى كَانَتْ عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ، وَهَذِهِ الْبَيْعَةُ كَانَتْ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ.
ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَهَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ قَبْلَ الْبَيْعَةِ بِسَنَةٍ، ثُمَّ هَاجَرَ بَعْدَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ مَعَ امْرَأَتِهِ لَيْلَى ابْنَةِ أَبِي حَثْمَةَ! ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَمَعَهُ أَخُوهُ أَبُو أَحْمَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute