للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَقَامِهِ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَقَالَ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ - وَعَائِشَةَ: إِنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ. وَمِثْلُهُمْ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ: ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَعُمَرُ بْنُ دِينَارٍ. وَقِيلَ: أَقَامَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَمْرَةَ وَعِكْرِمَةَ أَيْضًا عَنْهُ، وَلَعَلَّ الَّذِي قَالَ أَقَامَ عَشْرَ سِنِينَ أَرَادَ بَعْدَ إِظْهَارِ الدَّعْوَةِ، فَإِنَّهُ بَقِيَ سِنِينَ يَسِيرَةً، وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُ صِرْمَةَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ الْأَنْصَارِيٍّ، شِعْرٌ:

ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حَجَّةً ... يُذَكِّرُ لَوْ يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَقَامِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ عَلَى عَشَرَةِ سِنِينَ، فَلَوْ كَانَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَصَحَّ الْوَزْنُ، وَكَذَلِكَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسَبْعَ عَشْرَةَ، وَحَيْثُ لَمْ يَسْتَقِمِ الْوَزْنُ بِأَنْ يَقُولَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ قَالَ: بِضْعَ عَشْرَةَ، وَلَمْ يُنْقَلْ فِي مَقَامِهِ زِيَادَةٌ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ إِلَّا ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ ثَمَانِي سِنِينَ، وَلَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>