فَيَذْكُرُ نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيَّاهُمْ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَيُمْسِكُ عَنْهَا، وَضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، وَتَحَامَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَنْفَذَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ.
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ سَيِّئَ الْبَصَرِ، فَوَقَعَ مِنَ الدَّرَجَةِ فَوُثِئَتْ رِجْلُهُ وَثْأً شَدِيدًا، فَاحْتَمَلُوهُ وَاخْتَفَوْا، وَطَلَبَتْهُمْ يَهُودُ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يَرَوْهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى صَاحِبِهِمْ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كَيْفَ نَعْلَمُ أَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَدْ مَاتَ؟ فَعَادَ بَعْضُهُمْ وَدَخَلَ فِي النَّاسِ، فَرَأَى النَّاسَ حَوْلَهُ وَهُوَ يَقُولُ: لَقَدْ عَرَفْتُ صَوْتَ ابْنِ عَتِيكٍ، ثُمَّ قُلْتُ: أَيْنَ ابْنُ عَتِيكٍ؟ ثُمَّ صَاحَتِ امْرَأَتُهُ وَقَالَتْ: مَاتَ وَاللَّهِ. قَالَ: فَمَا سَمِعْتُ كَلِمَةً أَلَذَّ إِلَى نَفْسِي مِنْهَا. ثُمَّ عَادَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، وَسَمِعَ صَوْتَ النَّاعِي يَقُولُ: أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَسَارُوا حَتَّى قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتَلَفُوا فِي قَتْلِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَاتُوا أَسْيَافَكُمْ، فَجَاءُوا بِهَا، فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ لِسَيْفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ: هَذَا قَتَلَهُ، أَرَى فِيهِ أَثَرَ الْعِظَامِ.
وَقِيلَ فِي قَتْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ، وَكَانَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَرَاحَ النَّاسُ بِسُرُجِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ لِأَصْحَابِهِ: أَقِيمُوا مَكَانَكُمْ؛ فَإِنِّي أَنْطَلِقُ وَأَتَلَطَّفُ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أَدْخُلُ. فَانْطَلَقَ فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنَ الْبَابِ فَتَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ، فَدَخَلَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَعَلَّقَ الْمَفَاتِيحَ عَلَى وَتَدٍ، قَالَ: فَقُمْتُ فَأَخَذْتُهَا فَفَتَحْتُ بِهَا الْبَابَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ فِي عِلَالِيٍّ لَهُ. فَلَمَّا أَرَادَ النَّوْمَ ذَهَبَ عَنْهُ السُّمَّارُ، فَصَعِدْتُ إِلَيْهِ، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُهُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ، وَقُلْتُ: إِنْ عَلِمُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ. قَالَ: فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسَطَ عِيَالِهِ، لَا أَدْرِي أَيْ هُوَ. فَقُلْتُ: أَبَا رَافِعٍ! قَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ، فَمَا أَغْنَى عَنِّي شَيْئًا وَصَاحَ، فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: مَا هَذَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: لِأُمِّكَ الْوَيْلُ! إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ. قَالَ: فَضَرَبْتُهُ فَأَثْخَنْتُهُ فَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ حَدَّ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخْرَجْتُهُ مِنْ ظَهْرِهِ، فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ، فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الْأَبْوَابَ وَأَخْرُجُ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute