فَوَاللَّهِ مَا قَدَرْتُ عَلَى أَنْ أَقْضِيَ حَاجَتِي فَرَجَعْتُ، فَمَا زِلْتُ أَبْكِي حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ الْبُكَاءَ سَيَصْدَعُ كَبِدِي، وَقُلْتُ لِأُمِّي: تَحَدَّثَ النَّاسُ بِمَا تَحَدَّثُوا وَلَا تَذْكُرِينَ لِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؟ قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ، خَفِّضِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ قَلَّ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ، وَكَثَّرَ النَّاسُ عَلَيْهَا. قَالَتْ: وَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ، وَلَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يُؤْذُونَنِي فِي أَهْلِي، وَيَقُولُونَ عَلَيْهِنَّ غَيْرَ الْحَقِّ، وَيَقُولُونَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا دَخَلَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إِلَّا مَعِي.
وَكَانَ كُبْرُ ذَلِكَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ فِي رِجَالٍ مِنَ الْخَزْرَجِ، مَعَ الَّذِي قَالَ مِسْطَحٌ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَذَلِكَ أَنَّ زَيْنَبَ أُخْتَهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشَاعَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا أَشَاعَتْ؛ تُضَارُّنِي لِأُخْتِهَا، فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ الْمَقَالَةَ، قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ يَكُونُوا مِنَ الْأَوْسِ نَكْفِكَهُمْ، وَإِنْ يَكُونُوا مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ فَمُرْنَا بِأَمْرِكَ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: وَاللَّهِ مَا قُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَلَوْ كَانُوا مِنْ قَوْمِكَ مَا قُلْتَ هَذَا. فَقَالَ أُسَيْدٌ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. وَتَثَاوَرَ النَّاسُ حَتَّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ شَرٌّ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَاسْتَشَارَهُمَا، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَثْنَى خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: إِنَّ النِّسَاءَ لَكَثِيرٌ، وَسَلِ الْخَادِمَ تَصْدُقُكَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيرَةَ يَسْأَلُهَا، فَقَامَ إِلَيْهَا عَلِيٌّ، فَضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا وَهُوَ يَقُولُ: اصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كُنْتُ أَعِيبُ عَلَيْهَا إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَنَامُ عَنْ عَجِينِهَا، فَيَأْتِي الدَّاجِنُ فَيَأْكُلُهُ.
ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدِي أَبَوَايَ وَامْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَنَا أَبْكِي وَهِيَ تَبْكِي، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّهُ قَدْ كَانَ مَا بَلَغَكِ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ، فَإِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ.
قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَقَلَّصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ شَيْئًا، وَانْتَظَرْتُ أَبَوَيَّ أَنْ يُجِيبَاهُ، فَلَمْ يَفْعَلَا، فَقُلْتُ: أَلَا تُجِيبَانِهِ؟ فَقَالَا: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي بِمَاذَا نُجِيبُهُ! وَمَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ دَخَلَ عَلَيْهِمْ مَا دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامِ. فَلَمَّا اسْتَعْجَمَا بَكَيْتُ ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute