أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِمَّا ذَكَرْتَ أَبَدًا، وَاللَّهِ لَئِنْ أَقْرَرْتُ - وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ - لَتُصَدِّقُنِي، وَلَئِنْ أَنْكَرْتُ لَا تُصَدِّقُنِي. ثُمَّ الْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَقُلْتُ: وَلَكِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: ١٨] ، وَلَشَأْنِي كَأَنِّي أَصَغْرُ فِي نَفْسِي أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ فِيَّ قُرْآنًا يُتْلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رُؤْيَا يُكَذِّبُ اللَّهُ بِهَا عَنِّي.
قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا بَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى جَاءَهُ الْوَحْيُ، فَسُجِّيَ بِثَوْبِهِ، فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ مَا فَزِعْتُ وَلَا بَالَيْتُ، قَدْ عَرَفْتُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ ظَالِمِي، وَأَمَّا أَبَوَايَ فَمَا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى ظَنَنْتُ لَتَخْرُجَنَّ أَنْفُسُهُمَا فَرَقًا مِنْ أَنْ يُحَقِّقَ اللَّهُ مَا قَالَ النَّاسُ.
قَالَتْ: ثُمَّ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ عَنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ وَيَقُولُ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ. فَقُلْتُ: بِحَمْدِ اللَّهِ! ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ، وَذَكَرَ لَهُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيَّ مَنِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ، وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَكَانُوا مِمَّنْ أَفْصَحَ بِالْفَاحِشَةِ، فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ، وَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ لَا يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ أَبَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [النور: ٢٢] الْآيَةَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، وَرَجَّعَ إِلَى مِسْطَحٍ نَفَقَتَهُ. ثُمَّ إِنَّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ اعْتَرَضَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ فَضَرَبَهُ، ثُمَّ قَالَ:
تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ عَنِّي فَإِنَّنِي ... غُلَامٌ إِذَا هُوجِيتُ لَسْتُ بِشَاعِرِ
فَوَثَبَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فَجَمَعَ يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ، وَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: ضَرَبَ حَسَّانَ وَمَا أَرَاهُ إِلَّا قَتَلَهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَلْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ مِمَّا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: لَقَدِ اجْتَرَأْتَ، أَطْلِقِ الرَّجُلَ. فَأَطْلَقَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا حَسَّانَ وَصَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ، فَقَالَ صَفْوَانُ: هَجَانِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَآذَانِي، فَضَرَبْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَسَّانَ: أَحْسِنْ يَا حَسَّانُ. قَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِوَضًا مِنْهَا بَيْرَحَاءَ - وَهِيَ قَصْرُ بَنِي حُدَيْلَةَ، بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَأَعْطَاهُ شِيرِينَ - أَمَةً قِبْطِيَّةٌ، وَهِيَ أُخْتُ مَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ - فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ صَفْوَانُ حَصُورًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute