نَاجِيَةُ بْنُ عُمَيْرٍ، سَائِقُ بُدْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ أَتَاهُمْ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ خُزَاعَةَ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تِهَامَةَ، فَقَالَ: تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ، قَدْ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنْ شَاءَتْ قُرَيْشٌ مَادَدْنَاهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، وَإِنْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي» .
فَانْطَلَقَ بُدَيْلٌ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَعْلَمَهُمْ مَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، فَاقْبَلُوهَا، دَعُونِي آتِهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ. فَأَتَاهُ وَكَلَّمَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، جَمَعْتَ أَوْشَابَ النَّاسِ، ثُمَّ جِئْتَ بِهِمْ إِلَى بَيْضَتِكَ لِتَفُضَّهَا بِهِمْ، إِنَّهَا قُرَيْشٌ خَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ، يُعَاهِدُونَ اللَّهَ أَنَّكَ لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا، وَايْمُ اللَّهِ لَكَأَنِّي بِهَؤُلَاءِ قَدْ تَكَشَّفُوا عَنْكَ غَدًا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ! أَنَحْنُ نَنْكَشِفُ عَنْهُ؟ قَالَ: مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ. فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي لَكَفَأْتُكُ بِهَا. ثُمَّ جَعَلَ يَتَنَاوَلُ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُكَلِّمُهُ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيدِ، فَجَعَلَ يَقْرَعُ يَدَهُ إِذَا تَنَاوَلَهَا وَيَقُولُ لَهُ: اكْفُفْ يَدَكَ قَبْلَ أَنْ لَا تَصِلَ إِلَيْكَ، فَقَالَ عُرْوَةُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا ابْنُ أَخِيكَ الْمُغِيرَةُ. فَقَالَ: أَيْ غُدَرُ! وَهَلْ غَسَلْتُ سَوْءَتَكَ إِلَّا بِالْأَمْسِ؟ - وَكَانَ الْمُغِيرَةُ قَدْ قَتَلَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَالِكٍ وَهَرَبَ، فَتَهَايَجَ الْحَيَّانِ بَنُو مَالِكٍ رَهْطُ الْمَقْتُولِينَ، وَالْأَحْلَافُ رَهْطُ الْمُغِيرَةِ، فَوَدَى عُرْوَةُ لِلْمَقْتُولِينَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ دِيَةً، وَأَصْلَحَ ذَلِكَ الْأَمْرَ.
وَطَالَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ مَقَالَتِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: يَا مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ، فَهَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَجَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَاللَّهِ لَا يَتَنَخَّمُ النَّبِيُّ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute