للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدِهِمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِنْ أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَمَا يَحُدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ؛ تَعْظِيمًا لَهُ.

فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: أَيْ قَوْمُ، وَفَدْتُ عَلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا! وَحَدَّثَهُمْ مَا رَأَى، وَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ اسْمُهُ الْحُلَيْسُ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَحَابِيشِ: دَعُونِي آتِهِ. فَقَالُوا: ائْتِهِ. فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «هَذَا فُلَانٌ، هُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ، فَابْعَثُوا الْهَدْيَ فِي وَجْهِهِ. فَلَمَّا رَأَى الْهَدْيَ رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَقَالَ: يَا قَوْمُ، قَدْ رَأَيْتُ مَا لَا يَحِلُّ صَدُّهُ، الْهَدْيُ فِي قَلَائِدِهِ. فَقَالُوا: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ لَا عِلْمَ لَكَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا عَلَى هَذَا حَالَفْنَاكُمْ؛ أَنْ تَصُدُّوا عَنِ الْبَيْتِ مَنْ جَاءَ مُعَظِّمًا لَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُخَلُّنَّ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، أَوْ لَأَنْفِرَنَّ بِالْأَحَابِيشِ نَفْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ. قَالَ: فَقَالُوا: مَهْ! كُفَّ عَنَّا يَا حُلَيْسُ حَتَّى نَأْخُذَ لِأَنْفُسِنَا.

«فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَالَ: دَعُونِي آتِهِ. فَقَالُوا: افْعَلْ. فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَذَا رَجُلٌ فَاجِرٌ. فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ النَّبِيُّ: سُهِّلَ أَمْرُكُمْ» .

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ قُرَيْشًا إِنَّمَا بَعَثَتْ سُهَيْلًا بَعْدَ رِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. قَالَ: لَمَّا رَجَعَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى قُرَيْشٍ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ إِلَى قُرَيْشٍ عَلَى جَمَلٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: الثَّعْلَبُ، لِيُبَلِّغَ عَنْهُ، فَعَقَرُوا بِهِ جَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَمَنَعَتْهُ الْأَحَابِيشُ وَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ لِيُرْسِلَهُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: لَيْسَ بِمَكَّةَ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ مَنْ يَمْنَعُنِي، وَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي لَهَا، وَأَخَافُهَا عَلَى نَفْسِي، فَأَرْسِلْ عُثْمَانَ فَهُوَ أَعَزُّ بِهَا مِنِّي. فَدَعَا عُثْمَانَ فَأَرْسَلَهُ لِيُبَلِّغَ عَنْهُ، فَانْطَلَقَ، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَأَجَارَهُ، فَأَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ فَبَلَّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا لِعُثْمَانَ حِينَ فَرَغَ مِنْ أَدَاءِ الرِّسَالَةِ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ: «لَا نَبْرَحُ حَتَّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>