للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ دَعَا النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَبَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» ، وَهِيَ سَمُرَةُ، لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ رَجُلٌ مَنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو سِنَانٍ. ثُمَّ أَتَى الْخَبَرُ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يُقْتَلْ.

ثُمَّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ عَامَهُ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ سُهَيْلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَطَالَ مَعَهُ الْكَلَامَ وَتَرَاجَعَا، ثُمَّ جَرَى بَيْنَهُمُ الصُّلْحُ، «فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ بِاسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَا نَعْرِفُ هَذَا، وَلَكِنِ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَكَتَبَهَا، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو - فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ، وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ. فَقَالَ لَعَلِيٍّ: امْحُ رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا. فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ، فَكَتَبَ مَوْضِعَ رَسُولِ اللَّهِ: مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ لَعَلِيٍّ: لَتُبْلَيَنَّ بِمِثْلِهَا - اصْطَلَحَا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَنِ النَّاسِ عَشْرَ سِنِينَ، وَأَنَّهُ مَنْ أَتَى مِنْهُمْ رَسُولَ اللَّهِ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ جَاءَ قُرَيْشًا مِمَّنْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ يُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ دَخَلَ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ دَخَلَ.

فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ، وَأَنْ يَرْجِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمْ عَامَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ عَامَ قَابِلٍ خَرَجْنَا عَنْكَ فَدَخَلْتَهَا بِأَصْحَابِكَ، فَأَقَمْتَ بِهَا ثَلَاثًا وَسِلَاحُ الرَّاكِبِ السُّيُوفُ فِي الْقُرُبِ.

فَبَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْتُبُ الْكِتَابَ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي الْحَدِيدِ، قَدِ انْفَلَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَشُكُّونَ فِي الْفَتْحِ؛ لِرُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأَوُا الصُّلْحَ دَخَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتَّى كَادُوا يَهْلِكُونَ. فَلَمَّا رَأَى سُهَيْلٌ ابْنَهُ أَبَا جَنْدَلٍ أَخَذَهُ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ تَمَّتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ هَذَا. قَالَ: صَدَقْتَ، وَأَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ إِلَى قُرَيْشٍ، فَصَاحَ أَبُو جَنْدَلٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ لِيَفْتِنُونِي عَنْ دِينِي! فَزَادَ النَّاسَ شَرًّا إِلَى مَا بِهِمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْتَسِبْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إِنَّا قَدْ أَعْطَيْنَا الْقَوْمَ عُهُودَنَا عَلَى ذَلِكَ، فَلَا نَغْدِرُ بِهِمْ» . قَالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَمْشِي مَعَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَيَقُولُ لَهُ: اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّمَا هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ! وَأَدْنَى قَائِمَ السَّيْفِ مِنْهُ رَجَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ فَيَضْرِبَ بِهِ أَبَاهُ، قَالَ: فَبَخِلَ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>