وَشَهِدَ عَلَى الصُّلْحِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فِيهِمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
«فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَضِيَّتِهِ قَالَ: قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا» . فَمَا قَامَ أَحَدٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، اخْرُجْ، وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَحْلِقَ شَعْرَكَ، فَفَعَلَ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَحَلَقُوا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، فَمَا فُتِحَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَهُ فَتْحٌ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ، حَيْثُ أَمِنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ تَيْنِكَ السَّنَتَيْنِ مِثْلُ مَا دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ.
فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ جَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ عُتْبَةُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكَانَ مِمَّنْ حُبِسَ بِمَكَّةَ، فَكَتَبَ فِيهِ الْأَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ، وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، وَبَعَثَا فِيهِ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَمَعَهُ مَوْلًى لَهُمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا قَدْ أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَهْدًا، وَلَا يَصْلُحُ الْغَدْرُ فِي دِينِنَا» . فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ فَجَلَسُوا، وَأَخَذَ أَبُو بَصِيرٍ سَيْفَ أَحَدِهِمَا فَقَتَلَهُ بِهِ، وَخَرَجَ الْمَوْلَى سَرِيعًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ «أَقْبَلَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ وَفَتْ ذِمَّتُكَ وَأَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ» ! فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ أَبُو بَصِيرٍ حَتَّى نَزَلَ بِنَاحِيَةِ ذِي الْمَرْوَةِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، عَلَى طَرِيقِ قُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ، وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا احْتَبَسُوا بِمَكَّةَ ذَلِكَ، فَخَرَجُوا إِلَى أَبِي بَصِيرٍ، مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلٍ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا، فَضَيَّقُوا عَلَى قُرَيْشٍ يَعْتَرِضُونَ الْعِيرَ تَكُونُ لَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَاشِدُونَهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ لَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَآوَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَفِيهَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ، وَهَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، فِيهِنَّ أُمُّ كُلْثُومٍ ابْنَةُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَجَاءَ أَخُوهَا عُمَارَةُ وَالْوَلِيدُ يَطْلُبَانِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] الْآيَةَ، فَلَمْ يُرْسِلِ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِلَى مَكَّةَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] فَطَلَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ امْرَأَتَيْنِ لَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute