قَالَ: فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَغْمِزُ بِهِ غَيْرَهَا، قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي هُدْنَةٍ، وَلَا نَأْمَنُ غَدْرَهُ. قَالَ: فَمَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقَالَ لِي هِرَقْلُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ مَنْ أَوْسَطِ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ، فَهُوَ مُتَشَبِّهٌ بِهِ، فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ سَلَبْتُمُوهُ مِلْكَهُ فَجَاءَ بِهَذَا لِتَرُدُّوا عَلَيْهِ مِلْكَهُ، فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُمُ الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، وَكَذَلِكَ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ عَمَّنْ يَتْبَعُهُ أَيُحِبُّهُ أَمْ يُفَارِقُهُ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَهُ وَلَا يُفَارِقُونَهُ، وَكَذَلِكَ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ لَا تَدْخُلُ قَلْبًا فَتَخْرُجُ مِنْهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ، فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَلَئِنْ صَدَقْتَنِي لَيَغْلِبَنَّ عَلَى مَا تَحْتَ قَدَميَّ هَاتَيْنِ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي عِنْدَهُ فَأَغْسِلُ قَدَمَيْهِ. انْطَلِقْ لِشَأْنِكَ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا أَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيَّ بِالْأُخْرَى وَأَقُولُ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ، لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، أَصْبَحَ مُلُوكُ الرُّومِ يَهَابُونَهُ فِي سُلْطَانِهِمْ.
قَالَ: «وَقَدِمَ عَلَيْهِ دِحْيَةُ بِكِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْأَكَّارِينَ عَلَيْكَ» .
«وَأَمَّا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيُّ، فَأَتَاهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: أَنَا سَائِرٌ إِلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ قَوْلُهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: بَادَ مُلْكُهُ» .
وَأَمَّا النَّجَاشِيُّ، فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَهُ كِتَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، وَأَسْلَمَ عَلَى يَدِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنَهُ فِي سِتِّينَ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَغَرِقُوا فِي الْبَحْرِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُزَوِّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَتْ مُهَاجِرَةً بِالْحَبَشَةِ مَعَ زَوْجِهَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، فَتَنَصَّرَ وَتُوفِّيَ بِالْحَبَشَةِ، فَخَطَبَهَا النَّجَاشِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَابَتْ، وَزَوَّجَهَا، وَأَصْدَقَهَا النَّجَاشِيُّ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو سُفْيَانَ تَزْوِيجَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَ: ذَاكَ الْفَحْلُ لَا يُقْدَعُ أَنْفُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute