«وَأَمَّا كِسْرَى فَجَاءَهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ، فَمَزَّقَ الْكِتَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُزِّقَ مُلْكُهُ. وَكَانَ كِتَابُهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسٍ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدُعَاءِ اللَّهِ، وَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، لِأُنْذِرَ {مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس: ٧٠] ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ» .
فَلَمَّا قَرَأَهُ شَقَّهُ، قَالَ: يَكْتُبُ إِلَيَّ بِهَذَا وَهُوَ عَبْدِي! ثُمَّ كَتَبَ إِلَى بَاذَانَ وَهُوَ بِالْيَمَنِ: أَنِ ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بِالْحِجَازِ رَجُلَيْنِ مِنْ عِنْدِكَ جَلْدَيْنِ، فَلْيَأْتِيَانِي بِهِ. فَبَعَثَ بَاذَانُ نَابُوهْ، وَكَانَ كَاتِبًا حَاسِبًا، وَرَجُلًا آخَرَ مِنَ الْفُرْسِ يُقَالُ لَهُ: خُرَّخُسْرَهْ، وَكَتَبَ مَعَهُمَا يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ مَعَهُمَا إِلَى كِسْرَى، وَتَقَدَّمَ إِلَى نَابُوهْ أَنْ يَأْتِيَهُ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمِعَتْ قُرَيْشٌ بِذَلِكَ فَفَرِحُوا، وَقَالُوا: أَبْشِرُوا، فَقَدْ نَصَبَ لَهُ كِسْرَى مَلِكُ الْمُلُوكِ، كُفِيتُمُ الرَّجُلَ.
فَخَرَجَا حَتَّى «قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ حَلَقَا لِحَاهُمَا، وَأَعْفَيَا شَوَارِبَهُمَا، فَكَرِهَ النَّظَرَ إِلَيْهِمَا وَقَالَ: وَيَلْكُمَا، مَنْ أَمَرَكُمَا بِهَذَا؟ قَالَا: رَبُّنَا - يَعْنِيَانِ الْمَلِكَ. فَقَالَ: لَكِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعْفِيَ لِحْيَتِي، وَأَقُصَّ شَارِبِي» ، فَأَعْلَمَاهُ بِمَا قَدِمَا لَهُ وَقَالَا: إِنْ فَعَلْتَ كَتَبَ بَاذَانُ فِيكَ إِلَى كِسْرَى، وَإِنْ أَبَيْتَ فَهُوَ يُهْلِكُكَ وَيُهْلِكُ قَوْمَكَ. فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعَا حَتَّى تَأْتِيَانِي غَدًا. وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَلَّطَ عَلَى كِسْرَى ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ فَقَتَلَهُ، فَدَعَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَهُمَا بِقَتْلِ كِسْرَى، وَقَالَ لَهُمَا: إِنَّ دِينِي وَسُلْطَانِي سَيَبْلُغُ مُلْكَ كِسْرَى، وَيَنْتَهِي مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَقُولَا لِبَاذَانَ: أَسْلِمْ، فَإِنْ أَسْلَمَ أُقِرَّهُ عَلَى مَا تَحْتَ يَدِهِ، وَأُمَلِّكْهُ عَلَى قَوْمِهِ. ثُمَّ أَعْطَى خُرَّخُسْرَهْ مِنْطَقَةَ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ أَهْدَاهَا لَهُ بَعْضُ الْمُلُوكِ» .
وَخَرَجَا فَقَدِمَا عَلَى بَاذَانَ وَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هَذَا كَلَامُ مَلِكٍ، وَإِنِّي لَأُرَاهُ نَبِيًّا، وَلَنَنْظُرَنَّ، فَإِنْ كَانَ مَا قَالَ حَقًّا، فَإِنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَنَرَى فِيهِ رَأْيَنَا. فَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute