يَلْبَثْ بَاذَانُ أَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ كِتَابُ شِيرَوَيْهِ يُخْبِرُهُ بِقَتْلِ كِسْرَى، وَأَنَّهُ قَتَلَهُ غَضَبًا لِلْفُرْسِ لِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ قَتْلِ أَشْرَافِهِمْ، وَيَأْمُرُهُ بِأَخْذِ الطَّاعَةِ لَهُ بِالْيَمَنِ، وَبِالْكَفِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَلَمَّا أَتَاهُ كِتَابُ شِيرَوَيْهِ أَسْلَمَ، وَأَسْلَمَ مَعَهُ أَبْنَاءٌ مِنْ فَارِسَ. وَكَانَتْ حِمْيَرُ تُسَمِّي خُرَّخُسْرَهْ صَاحِبَ الْمِعْجَزَةِ، وَالْمِعْجَزَةُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ الْمِنْطَقَةُ.
وَأَمَّا هَوْذَةُ بْنُ عَلِيٍّ فَكَانَ مَلِكَ الْيَمَامَةِ، فَلَمَّا أَتَاهُ سَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، أَرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفْدًا فِيهِمْ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ وَالرَّجَّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ، يَقُولُ لَهُ: إِنْ جَعَلَ الْأَمْرَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَسْلَمَ وَسَارَ إِلَيْهِ وَنَصَرَهُ، وَإِلَّا قَصَدَ حَرْبَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا، وَلَا كَرَامَةَ، اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِ! فَمَاتَ بَعْدَ قَلِيلٍ» .
وَأَمَّا مُجَّاعَةُ وَالرَّجَّالُ فَأَسْلَمَا، وَأَقَامَ الرَّجَّالُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَغَيْرَهَا، وَتَفَقَّهَ وَعَادَ إِلَى الْيَمَامَةِ، فَارْتَدَّ وَشَهِدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَشْرَكَ مُسَيْلِمَةَ مَعَهُ، فَكَانَتْ فِتْنَتُهُ أَشَدَّ مِنْ فِتْنَةِ مُسَيْلِمَةَ.
(مُجَّاعَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ. وَالرَّجَّالُ بِالْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ، وَقِيلَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ. وَعُنْفُوَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَسُكُونِ النُّونِ، وَضَمِّ الْفَاءِ، وَفَتْحِ الْوَاوِ) .
وَأَمَّا الْمُنْذِرُ بْنُ سَاوَى وَالِي الْبَحْرَيْنِ، فَلَمَّا أَتَاهُ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ يَدْعُوهُ وَمَنْ مَعَهُ بِالْبَحْرَيْنِ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوِ الْجِزْيَةِ، وَكَانَتْ وِلَايَةُ الْبَحْرَيْنِ لِلْفُرْسِ، فَأَسْلَمَ الْمُنْذِرُ بْنُ سَاوَى، وَأَسْلَمَ جَمِيعُ الْعَرَبِ بِالْبَحْرَيْنِ.
فَأَمَّا أَهْلُ الْبِلَادِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَإِنَّهُمْ صَالَحُوا الْعَلَاءَ وَالْمُنْذِرَ عَلَى الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْبَحْرَيْنِ قِتَالٌ، إِنَّمَا بَعْضُهُمْ أَسْلَمَ، وَبَعْضُهُمْ صَالَحَ.
وَوَلِيَ الْحَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْمُشْرِكُونَ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَتْ أُمُّ رُومَانَ، وَهِيَ أُمُّ عَائِشَةَ زَوْجَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute