للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَنَا إِلَى عِيدِنَا، وَكَانَ لَهُمْ عِيدٌ يَخْرُجُونَ إِلَيْهِ بِأَصْنَامِهِمْ، فَأَرِنَا آيَةً فَتَدْعُو إِلَهَكَ وَنَدْعُو آلِهَتَنَا، فَإِنِ اسْتُجِيبَ لَكَ اتَّبَعْنَاكَ وَإِنِ اسْتُجِيبَ لَنَا اتَّبَعْتَنَا. فَقَالَ: نَعَمْ، فَخَرَجُوا بِأَصْنَامِهِمْ، وَصَالِحٌ مَعَهُمْ، فَدَعَوْا أَصْنَامَهُمْ أَنْ لَا يُسْتَجَابَ لِصَالِحٍ مَا يَدْعُو بِهِ، وَقَالَ لَهُ سَيِّدُ قَوْمِهِ: يَا صَالِحُ، أَخْرِجْ لَنَا مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ لِصَخْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ نَاقَةً جَوْفَاءَ عُشَرَاءَ، فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ صَدَّقْنَاكَ.

فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ مَوَاثِيقَ بِذَلِكَ، وَأَتَى الصَّخْرَةَ، وَصَلَّى، وَدَعَا رَبَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فَإِذَا هِيَ تَتَمَخَّضُ كَمَا تَتَمَخَّضُ الْحَامِلُ، ثُمَّ انْفَجَرَتْ وَخَرَجَتْ مِنْ وَسَطِهَا النَّاقَةُ كَمَا طَلَبُوا وَهُمْ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ نَتَجَتْ سَقْبًا مِثْلَهَا فِي الْعِظَمِ، فَآمَنَ بِهِ سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَاسْمُهُ جُنْدَعُ بْنُ عَمْرٍو، وَرَهْطٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمَّا خَرَجَتِ النَّاقَةُ قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: {هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: ١٥٥] ، وَمَتَى عَقَرْتُمُوهَا أَهْلَكَكُمُ اللَّهُ. فَكَانَ شِرْبُهَا يَوْمًا وَشِرْبُهُمْ يَوْمًا مَعْلُومًا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهَا خَلَّوْا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَاءِ وَحَلَبُوهَا لَبَنَهَا، وَمَلَأُوا كُلَّ وِعَاءٍ، وَإِنَاءٍ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهِمْ صَرَفُوهَا عَنِ الْمَاءِ فَلَمْ تَشْرَبْ مِنْهُ شَيْئًا وَتَزَوَّدُوا مِنَ الْمَاءِ لِلْغَدِ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى صَالِحٍ أَنَّ قَوْمَكَ سَيَعْقِرُونَ النَّاقَةَ، فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ. قَالَ: إِلَّا تَعْقِرُوهَا أَنْتُمْ يُوشِكُ أَنْ يُولَدَ فِيكُمْ مَوْلُودٌ يَعْقِرُهَا. قَالُوا: وَمَا عَلَامَتُهُ؟ فَوَاللَّهِ لَا نَجِدُهُ إِلَّا قَتَلْنَاهُ! قَالَ: فَإِنَّهُ غُلَامٌ أَشْقَرُ، أَزْرَقُ، أَصْهَبُ، أَحْمَرُ. قَالَ: فَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ شَيْخَانِ عَزِيزَانِ مَنِيعَانِ لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ رَغِبَ لَهُ عَنِ الْمَنَاكِحِ، وَلِلْآخَرِ ابْنَةٌ لَا يَجِدُ لَهَا كُفُؤًا فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا ابْنَهُ بِابْنَةِ الْآخَرِ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا الْمَوْلُودُ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ إِنَّمَا يَعْقِرُهَا مَوْلُودٌ فِيكُمُ اخْتَارُوا قَوَابِلَ مِنَ الْقَرْيَةِ وَجَعَلُوا مَعَهُنَّ شُرَطًا يَطُوفُونَ الْقَرْيَةَ فَإِذَا وَجَدُوا امْرَأَةً تَلِدُ نَظَرُوا وَلَدَهَا مَا هُوَ، فَلَمَّا وَجَدُوا ذَلِكَ الْمَوْلُودَ صَرَخَ النِّسْوَةُ، وَقُلْنَ: هَذَا الَّذِي يُرِيدُ نَبِيُّ اللَّهِ صَالِحٌ، فَأَرَادَ الشُّرَطُ أَنْ يَأْخُذُوهُ فَحَالَ جِدَّاهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَقَالَا: لَوْ أَرَادَ صَالِحٌ هَذَا لَقَتَلْنَاهُ. فَكَانَ شَرَّ مَوْلُودٍ وَكَانَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي الْجُمُعَةِ، فَاجْتَمَعَ تِسْعَةُ رَهْطٍ مِنْهُمْ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ، كَانُوا قَتَلُوا أَبْنَاءَهُمْ حِينَ وُلِدُوا خَوْفًا أَنْ يَكُونَ عَاقِرَ النَّاقَةِ مِنْهُمْ، ثُمَّ نَدِمُوا فَأَقْسَمُوا لَيَقْتُلُنَّ صَالِحًا، وَأَهْلَهُ، وَقَالُوا: نَخْرُجُ فَتَرَى النَّاسُ أَنَّنَا نُرِيدُ السَّفَرَ فَنَأْتِي الْغَارَ الَّذِي عَلَى طَرِيقِ صَالِحٍ فَنَكُونُ فِيهِ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ وَخَرَجَ صَالِحٌ إِلَى مَسْجِدِهِ قَتَلْنَاهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْغَارِ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا إِلَى رِحَالِنَا، وَقُلْنَا مَا شَهِدْنَا قَتْلَهُ فَيُصَدِّقُنَا قَوْمُهُ. وَكَانَ صَالِحٌ لَا يَبِيتُ مَعَهُمْ، كَانَ يَخْرُجُ إِلَى مَسْجِدٍ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>