ثُمَّ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ طَوَتْهُ عَنْهُ. فَقَالَ: أَرَغِبْتِ بِهِ عَنِّي أَمْ رَغِبْتِ بِي عَنْهُ؟ فَقَالَتْ: هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَنْتَ مُشْرِكٌ نَجِسٌ، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: لَقَدْ أَصَابَكِ بَعْدِي شَرٌّ. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمَهُ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَكَلَّمَهُ لِيُكَلِّمَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ. ثُمَّ أَتَى عُمَرَ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ: أَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ! وَاللَّهِ لَوْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا الذَّرَّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى عَلِيًّا وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ غُلَامٌ، فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَمْرٍ لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلِّمَهُ فِيهِ. فَقَالَ لِفَاطِمَةَ: يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ، هَلْ لَكِ أَنْ تَأْمُرِي ابْنَكِ هَذَا أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ فَيَكُونَ سَيِّدَ الْعَرَبِ؟ فَقَالَتْ: مَا بَلَغَ ابْنِي أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا يُجِيرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أَحَدٌ. فَالْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ لَهُ: أَرَى الْأُمُورَ قَدِ اشْتَدَّتْ عَلَيَّ فَانْصَحْنِي. قَالَ: أَنْتَ سَيِّدُ كِنَانَةَ، فَقُمْ فَأَجِرْ بَيْنَ النَّاسِ وَالْحَقْ بِأَرْضِكَ. فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ. ثُمَّ رَكِبَ بَعِيرَهُ وَقَدِمَ مَكَّةَ، وَأَخْبَرَ قُرَيْشًا مَا جَرَى لَهُ وَمَا أَشَارَ بِهِ عَلِيٌّ عَلَيْهِ. فَقَالُوا لَهُ: وَاللَّهِ مَا زَادَ عَلَى أَنْ يَسْخَرَ بِكَ.
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجَهَّزَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالتَّجَهُّزِ إِلَى مَكَّةَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ خُذِ الْعُيُونَ وَالْأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ حَتَّى نَبْغَتَهَا فِي بِلَادِهَا. فَكَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ كِتَابًا إِلَى قُرَيْشٍ يُعْلِمُهُمُ الْخَبَرَ، وَسَيَّرَهُ مَعَ امْرَأَةٍ مِنْ مُزَيْنَهَ اسْمُهَا كَنُودُ، وَقِيلَ: مَعَ سَارَةَ مَوْلَاةٍ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ، فَأَدْرَكَاهَا وَأَخَذَا مِنْهَا الْكِتَابَ، وَجَاءَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَحْضَرَ حَاطِبًا وَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَمُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، مَا بَدَّلْتُ وَلَا غَيَّرْتُ، وَلَكِنْ لِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ أَهْلٌ وَوَلَدٌ، وَلَيْسَ لِي عَشِيرَةٌ، فَصَانَعْتُهُمْ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ نَافَقَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ؟ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي حَاطِبٍ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: ١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ» .
ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ حُصَيْنٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute