الْغِفَارِيَّ، وَخَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَفَتَحَ مَكَّةَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْهُ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ مَا بَيْنَ عُسْفَانَ وَأَمَجَ، فَأَفْطَرُوا، وَاسْتَوْعَبَ مَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، فَسَبَّعَتْ سُلَيْمُ، وَأَلَّفَتْ مُزَيْنَةُ، وَفِي كُلِّ الْقَبَائِلِ عَدَدٌ وَإِسْلَامٌ، وَأَدْرَكَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَلَقِيَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالسُّقْيَا، وَقِيلَ: بِذِي الْحُلَيْفَةِ، مُهَاجِرًا، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرْسِلَ رَحْلَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَيَعُودَ مَعَهُ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ آخِرُ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَنَا آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ.
وَلَقِيَهُ أَيْضًا مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ بِنِيقِ الْعُقَابِ، فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فِيهِمَا وَقَالَتْ لَهُ: ابْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ. قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا، أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي فَهُوَ الَّذِي قَالَ بِمَكَّةَ مَا قَالَ. فَلَمَّا سَمِعَا ذَلِكَ وَكَانَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ ابْنٌ لَهُ اسْمُهُ جَعْفَرٌ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَيَأْذَنُ لِي، أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدِ ابْنِي هَذَا، ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا وَجُوعًا. فَرَقَّ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَدْخَلَهُمَا إِلَيْهِ، فَأَسْلَمَا.
وَقِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَقُلْ لَهُ مَا قَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ لِيُوسُفَ: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف: ٩١] فَإِنَّهُ لَا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَحْسَنَ مِنْهُ فِعْلًا وَلَا قَوْلًا، فَفَعَلَ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: ٩٢] ، وَقَرَّبَهُمَا، فَأَسْلَمَا، «وَأَنْشَدَهُ أَبُو سُفْيَانَ قَوْلَهُ فِي إِسْلَامِهِ وَاعْتِذَارِهِ مِمَّا مَضَى:
لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً ... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ
لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ ... فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدَى وَأَهْتَدِي
وَهَادٍ هَدَانِي غَيْرَ نَفْسِي وَنَالَنِي ... مَعَ اللَّهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ
الْأَبْيَاتَ. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدْرَهُ وَقَالَ: أَنْتَ طَرَّدْتَنِي كُلَّ مُطَرَّدٍ؟» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute