للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ ثَمَانِيَةِ رِجَالٍ وَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَأَمَّا الرِّجَالُ فَمِنْهُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، كَانَ يُشْبِهُ أَبَاهُ فِي إِيذَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَاوَتِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى مُحَارَبَتِهِ، فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ خَافَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَهَرَبَ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَسْلَمَتِ أَمِرْأَتُهُ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ، وَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ وَمَعَهَا غُلَامٌ لَهَا رُومِيٌّ، فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَأَطْمَعَتْهُ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ، حَتَّى أَتَتْ حَيًّا مِنَ الْعَرَبِ فَاسْتَعَانَتْهُمْ عَلَيْهِ، فَأَوْثَقُوهُ، وَأَدْرَكَتْ عِكْرِمَةَ وَهُوَ يُرِيدُ رُكُوبَ الْبَحْرِ فَقَالَتْ: جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَوْصَلِ النَّاسِ، وَأَحْلَمِهِمْ، وَأَكْرَمِهِمْ، وَقَدْ آمَنَكَ، فَرَجَعَ، وَأَخْبَرَتْهُ خَبَرَ الرُّومِيِّ، فَقَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرَّ بِهِ، فَأَسْلَمَ وَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، فَاسْتَغْفَرَ.

وَمِنْهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أَيْضًا شَدِيدًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَرَبَ خَوْفًا مِنْهُ إِلَى جُدَّةَ، فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَفْوَانَ سَيِّدُ قَوْمِي، وَقَدْ خَرَجَ هَارِبًا مِنْكَ فَآمِنْهُ. قَالَ: هُوَ آمِنٌ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَتَهُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا مَكَّةَ لِيَعْرِفَ بِهَا أَمَانَهُ، فَخَرَجَ بِهَا عُمَيْرٌ فَأَدْرَكَهُ بِجُدَّةَ، فَأَعْلَمَهُ بِأَمَانِهِ وَقَالَ: إِنَّهُ أَحْلَمُ النَّاسِ وَأَوْصَلُهُمْ، وَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكَ، وَعِزُّهُ عِزُّكَ، وَشَرَفُهُ شَرَفُكَ. قَالَ: إِنِّي أَخَافُهُ عَلَى نَفْسِي. قَالَ: هُوَ أَحْلَمُ مِنْ ذَلِكَ. فَرَجَعَ صَفْوَانُ وَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّكَ آمَنْتَنِي. قَالَ: صَدَقَ. قَالَ: اجْعَلْنِي بِالْخِيَارِ شَهْرَيْنِ. قَالَ: أَنْتَ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. فَأَقَامَ مَعَهُ كَافِرًا، وَشَهِدَ مَعَهُ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَتُوفِيَّ بِمَكَّةَ عِنْدَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الْبَصْرَةِ لِيَوْمِ الْجَمَلِ.

وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَكَتَبَ الْوَحْيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ إِذَا أَمْلَى عَلَيْهِ: عَزِيزٌ حَكِيمٌ، يَكْتُبُ: عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَقَالَ لِقُرَيْشٍ: إِنِّي أَكْتُبُ أَحْرُفَ مُحَمَّدٍ فِي قُرْآنِهِ حَيْثُ شِئْتُ، وَدِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ فَرَّ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَغَيَّبَهُ عُثْمَانُ حَتَّى اطْمَأَنَّ النَّاسُ، ثُمَّ أَحْضَرَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَلَبَ لَهُ الْأَمَانَ، فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَوِيلًا ثُمَّ آمَنَهُ، فَأَسْلَمَ وَعَادَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: لَقَدْ صَمَتُّ لِيَقْتُلَهُ أَحَدُكُمْ. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: هَلَّا أَوْمَأَتْ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: «

<<  <  ج: ص:  >  >>