أَحْمَرَ، وَقَدْ وَضَعَ رَأْسَهُ تَوَاضُعًا لِلَّهِ - تَعَالَى - حِينَ رَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ، حَتَّى إِنَّ أَسْفَلَ لِحْيَتِهِ لَيَمَسُّ وَاسِطَةَ الرَّحْلِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ وَدَخَلَ مِنْ أَذَاخِرَ بِأَعْلَاهَا، وَضُرِبَتْ قُبَّتُهُ هُنَاكَ.
وَكَانَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو - قَدْ جَمَعُوا نَاسًا بِالْخَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلُوا، وَمَعَهُمُ الْأَحَابِيشُ، وَبَنُو بَكْرٍ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ، فَلَقِيَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقَاتَلَهُمْ فَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَابِرُ بْنُ حُسَيْلٍ الْفِهْرِيُّ، وَحُبَيْشُ بْنُ خَالِدٍ، وَهُوَ الْأَشْعَرُ الْكَعْبِيُّ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْمَيْلَاءِ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، ثُمَّ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ.
وَكَانَ مَعَ عِكْرِمَةَ حِمَاسُ بْنُ خَالِدٍ الدُّئِلِيُّ، وَكَانَ قَدْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: لَآتِيَنَّكِ بِخَادِمٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا عَادَ إِلَيْهَا مُنْهَزِمًا قَالَتْ لَهُ، تَسْتَهْزِئُ بِهِ: أَيْنَ الْخَادِمُ؟ ! فَقَالَ:
فَأَنْتِ لَوْ شَهِدْتِنَا بِالْخَنْدَمَهْ ... إِذْ فَرَّ صَفْوَانُ وَفَرَّ عِكْرِمَهْ
وَأَبُو يَزِيدَ كَالْعَجُوزِ الْمُؤْتَمَهْ ... لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ
إِذْ ضَرَبَتْنَا بِالسُّيُوفِ الْمُثْلَمَهْ ... لَهُمْ زَفِيرٌ خَلْفَنَا وَغَمْغَمَهْ
أَبُو يَزِيدَ هَذَا هُوَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَهِدَ إِلَى أُمَرَائِهِ أَنْ لَا يَقْتُلُوا أَحَدًا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، فَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، وَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ دُخُولَ مَكَّةَ - قَامَ فِي وُجُوهِهِمْ نِسَاءٌ مُشْرِكَاتٌ، يَلْطُمْنَ وُجُوهَ الْخَيْلِ بِالْخُمُرِ، وَقَدْ نَشَرْنَ شُعُورَهُنَّ، فَرَآهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى جَنْبِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، كَيْفَ قَالَ حَسَّانُ؟ فَأَنْشَدَهُ:
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ ... تُلَطِّمُهُنَ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute