فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يُحِبُّ الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا يَكُونُ فِي قَوْمِهِ. فَقَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهِ فَحَبَسْتُهُ عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ، فَمَرَّتْ عَلَيْهِ الْقَبَائِلُ فَيَقُولُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: أَسْلَمُ. فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِأَسْلَمَ. وَيَقُولُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: جُهَيْنَةُ. فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِجُهَيْنَةَ. حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي الْحَدِيدِ، لَا يُرَى مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقُ. فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. فَقَالَ: لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ عَظِيمًا، فَقُلْتُ: وَيْحَكَ، إِنَّهَا النُّبُوَّةُ. فَقَالَ: نَعَمْ إِذَنْ. فَقُلْتُ: الْحَقْ بِقَوْمِكَ سَرِيعًا فَحَذِّرْهُمْ. فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ وَمَعَهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، فَصَرَخَ فِي الْمَسْجِدِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَقَالُوا: فَمَهْ. قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا.
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ هِنْدُ فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ: يَا آلَ غَالِبٍ، اقْتُلُوا هَذَا الشَّيْخَ الْأَحْمَقَ. فَقَالَ: أَرْسِلِي لِحْيَتِي، وَأُقْسِمُ لَئِنْ أَنْتِ لَمْ تُسْلِمِي لَتُضْرَبَّنَ عُنُقُكِ، ادْخُلِي بَيْتَكِ! فَتَرَكَتْهُ.
وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَثَرِهِمَا الزُّبَيْرَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ كَدَاءٍ، وَكَانَ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى، وَأَمَرَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَنْ يَدْخُلَ بِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ كَدَاءٍ، فَقَالَ سَعْدٌ حِينَ وَجَّهَهُ: الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ. فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَأَعْلَمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَدْرِكْهُ، فَخُذِ الرَّايَةَ مِنْهُ، وَكُنْ أَنْتَ الَّذِي تَدْخُلُ بِهَا، وَأَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ مِنَ اللِّيطِ فِي بَعْضِ النَّاسِ، وَكَانَ مَعَهُ أَسْلَمُ، وَغِفَارُ، وَمُزَيْنَةُ، وَجُهَيْنَةُ، وَقَبَائِلُ مِنَ الْعَرَبِ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ.
وَلَمَّا وَصَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى ذِي طُوًى وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُعْتَجِرٌ بِبُرْدِ خَزٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute