عَبْدِ عَوْفٍ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالْفَاكِهَ بْنَ الْمُغِيرَةِ عَمَّ خَالِدٍ، كَانَا أَقْبَلَا تَاجِرَيْنِ مِنَ الْيَمَنِ، فَأَخَذَتْ مَا مَعَهُمَا وَقَتَلَتْهُمَا، فَلَمَّا نَزَلَ خَالِدٌ ذَلِكَ الْمَاءَ أَخَذَ بَنُو جَذِيمَةَ السِّلَاحَ، فَقَالَ لَهُمْ خَالِدٌ: ضَعُوا السِّلَاحَ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا. فَوَضَعُوا السِّلَاحَ، فَأَمَرَ خَالِدٌ بِهِمْ فَكُتِّفُوا، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى السَّيْفِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ.
فَلَمَّا انْتَهَى الْخَبَرُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ! ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا وَمَعَهُ مَالٌ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمْ، فَوَدَى لَهُمُ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ حَتَّى إِنَّهُ لَيَدِي مِيلَغَةَ الْكَلْبِ، وَبَقِيَ مَعَهُ مِنَ الْمَالِ فَضْلَةٌ، فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ: هَلْ بَقِيَ لَكُمْ مَالٌ، أَوْ دَمٌ لَمْ يُودَ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنِّي أَعْطَيْتُكُمْ هَذِهِ الْبَقِيَّةَ احْتِيَاطًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَعَلَ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: أَصَبْتَ، وَأَحْسَنْتَ.
وَقِيلَ: إِنَّ خَالِدًا اعْتَذَرَ وَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ أَمَرَهُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَكَانَ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَخَالِدٍ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: عَمِلْتَ بِأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ خَالِدٌ: إِنَّمَا ثَأَرْتُ بِأَبِيكَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كَذَبْتَ، قَدْ قَتَلْتُ أَنَا قَاتِلَ أَبِي، وَلَكِنَّكَ إِنَّمَا ثَأَرْتَ بِعَمِّكَ الْفَاكِهِ، حَتَّى كَانَ بَيْنَهُمَا شَرٌّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «مَهْلًا يَا خَالِدُ، دَعْ عَنْكَ أَصْحَابِي، فَوَاللَّهِ لَوْ كَانَ لَكَ أُحُدٌ ذَهَبًا، ثُمَّ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا أَدْرَكْتَ غَدْوَةَ أَحَدِهِمْ وَلَا رَوْحَتَهُ» .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيُّ: كُنْتُ يَوْمَئِذٍ فِي جُنْدِ خَالِدٍ، فَأَثَرْنَا فِي أَثَرِ ظُعُنٍ مُصْعِدَةٍ يَسُوقُ بِهِنَّ فِتْيَةٌ، فَقَالَ: أَدْرِكُوا أُولَئِكَ. قَالَ: فَخَرَجْنَا فِي أَثَرِهِمْ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُمْ مَضَوْا، وَوَقَفَ لَنَا غُلَامٌ شَابٌّ عَلَى الطَّرِيقِ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ جَعَلَ يُقَاتِلُنَا وَيَقُولُ:
ارْفَعْنَ أَطْرَافَ الذُّيُولِ وَارْتَعْنَ ... مَشْيَ حَيِيَّاتٍ كَأَنْ لَمْ تُفْزَعْنَ
إِنْ تُمْنَعِ الْيَوْمَ النِّسَاءُ تُمْنَعْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute