للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَاتَلْنَاهُ طَوِيلًا فَقَتَلْنَاهُ، وَمَضَيْنَا حَتَّى لَحِقْنَا الظُّعُنَ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا غُلَامٌ كَأَنَّهُ الْأَوَّلُ فَجَعَلَ يُقَاتِلُنَا وَيَقُولُ:

أُقْسِمُ مَا إِنْ خَادِرٌ ذُو لِبْدَهْ ... يَرْزِمُ بَيْنَ أَثْلَةٍ وَوَهْدَهْ

يَفْرِسُ شُبَّانَ الرِّجَالِ وَحْدَهُ ... بِأَصْدَقِ الْغَدَاةِ مِنِّي نَجْدَهْ

فَقَاتَلْنَاهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ، وَأَدْرَكْنَا الظُّعُنَ فَأَخَذْنَاهُنَّ، فَإِذَا فِيهِنَّ غُلَامٌ وَضِيءُ الْوَجْهِ، بِهِ صُفْرَةٌ كَالْمَنْهُوكِ، فَرَبَطْنَاهُ بِحَبْلٍ وَقَدَّمْنَاهُ لِنَقْتُلَهُ، فَقَالَ لَنَا: هَلْ لَكُمْ فِي خَيْرٍ؟ قُلْنَا: مَا هُوَ؟ قَالَ تُدْرِكُونَ بِي الظُّعُنَ فِي أَسْفَلِ الْوَادِي، ثُمَّ تَقْتُلُونِي. قُلْنَا: نَفْعَلُ، فَعَارَضْنَا الظُّعُنَ، فَلَمَّا كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعْنَ الصَّوْتَ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: اسْلَمِي حُبَيْشُ، عَلَى فَقْدِ الْعَيْشِ. فَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَةٌ بَيْضَاءُ حُسَّانَةٌ، وَقَالَتْ: وَأَنْتَ فَاسْلَمْ عَلَى كَثْرَةِ الْأَعْدَاءِ، وَشِدَّةِ الْبَلَاءِ. قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكِ دَهْرًا، وَإِنْ بَقِيتِ عَصْرًا. قَالَتْ: وَأَنْتَ سَلَامٌ عَلَيْكَ عَشْرًا، وَشَفْعًا تَتْرَى، وَثَلَاثًا وِتْرًا. فَقَالَ:

إِنْ يَقْتُلُونِي يَا حُبَيْشُ فَلَمْ يَدَعْ ... هَوَاكِ لَهُمْ مِنِّي سِوَى غُلَّةِ الصَّدْرِ

فَأَنْتِ الَّتِي أَخْلَيْتِ لَحْمِي مِنْ دَمِي ... وَعَظْمِي، وَأَسْبَلْتِ الدُّمُوعَ عَلَى نَحْرِي

فَقَالَتْ لَهُ:

وَنَحْنُ بَكَيْنَا مِنْ فِرَاقِكَ مَرَّةً ... وَأُخْرَى وَوَاسَيْنَاكَ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ

وَأَنْتَ فَلَمْ تَبْعَدْ فَنَعِمَ فَتَى الْهَوَى ... جَمِيلُ الْعَفَافِ وَالْمَوَدَّةِ فِي سَتْرِ

فَقَالَ:

أَرَيْتَكِ إِذْ طَالَبَتْكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ

بِحَلْيَةَ أَوْ أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ ... أَلَمْ يَكُ حَقًّا أَنْ يُنَوَّلَ عَاشِقٌ

تَكَلَّفَ إِدْلَاجَ السُّرَى فِي الْوَدَائِقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>