للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ، فَوَاللَّهِ مَا تَمَاسَكْنَا أَنْ حَلَّ بِنَا مَا تَرَى! فَلَمْ يَنْهَهُ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِ أَنْ مَضَى عَلَى مَا يُرِيدُ.

وَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرُ هَوَازِنَ أَجْمَعَ الْمَسِيرَ إِلَيْهِمْ، وَبَلَغَهُ أَنَّ عِنْدَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَدْرَاعًا وَسِلَاحًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ: أَعِرْنَا سِلَاحَكَ نَلْقَ فِيهِ عَدُوَّنَا. فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ نُؤَدِّيهَا إِلَيْكَ. قَالَ: لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ دِرْعٍ بِمَا يُصْلِحُهَا مِنَ السِّلَاحِ. ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ أَلْفَانِ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ مَعَ عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثْرَةَ مَنْ مَعَهُ قَالَ: لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: ٢٥] ، وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَهَا رَجُلٌ مِنْ بَكْرٍ.

وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ بِمَكَّةَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ.

قَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا اسْتَقْبَلْنَا وَادِي حُنَيْنٍ انْحَدَرْنَا فِي وَادٍ أَجْوَفَ حَطُوطٍ، إِنَّمَا نَنْحَدِرُ فِيهِ انْحِدَارًا فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ، وَكَانَ الْقَوْمُ قَدْ سَبَقُونَا إِلَى الْوَادِي، فَكَمَنُوا لَنَا فِي شِعَابِهِ وَمَضَايِقِهِ، قَدْ تَهَيَّئُوا وَأَعَدُّوا، فَوَاللَّهِ مَا رَاعَنَا وَنَحْنُ مُنْحَطُّونَ إِلَّا الْكَتَائِبُ قَدْ شَدَّتْ عَلَيْنَا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَانْهَزَمَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَانْحَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ الْيَمِينِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمُّوا إِلَيَّ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» ، قَالَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ احْتَمَلَتِ الْإِبِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَابْنُهُ الْفَضْلُ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ.

قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ أَمَامَ النَّاسِ، فَإِذَا أَدْرَكَ رَجُلًا طَعَنَهُ ثُمَّ رَفَعَ رَايَتَهُ لِمَنْ وَرَاءَهُ فَاتَّبَعُوهُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ.

وَلَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ تَكَلَّمَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الضِّغْنِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: لَا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبَحْرِ، وَالْأَزْلَامُ مَعَهُ. وَقَالَ كَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ، وَهُوَ أَخُو صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ لِأُمِّهِ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكًا: الْآنَ بَطَلَ السِّحْرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>