فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: اسْكُتْ فَضَّ اللَّهُ فَاكَ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ!
وَقَالَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ: الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي مِنْ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ بِأُحُدٍ، قَالَ: فَأَدَرْتُ بِهِ لِأَقْتُلَهُ، فَأَقْبَلَ شَيْءٌ حَتَّى تَغَشَّ فُؤَادِي، فَلَمْ أُطِقْ ذَلِكَ.
وَكَانَ الْعَبَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِذًا بِحَكَمَةِ بَغْلَتِهِ دُلْدُلَ وَهُوَ عَلَيْهَا، وَكَانَ الْعَبَّاسُ جَسِيمًا شَدِيدَ الصَّوْتِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَبَّاسُ، اصْرُخْ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ! فَفَعَلَ، فَأَجَابُوهُ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ! فَكَانَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يُثْنِيَ بَعِيرَهُ فَلَا يَقْدِرُ، فَيَأْخُذُ سِلَاحَهُ ثُمَّ يَنْزِلُ عَنْهُ وَيَؤُمُّ الصَّوْتَ، فَاجْتَمَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةُ رَجُلٍ فَاسْتَقْبَلَ بِهِمُ الْقَوْمَ وَقَاتَلَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شِدَّةَ الْقِتَالِ قَالَ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا. وَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَغْلَتِهِ دُلْدُلٍ: الْبُدِي دُلْدُلُ، فَوَضَعَتْ بَطْنَهَا عَلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ، فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِهِمْ، فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ، فَمَا رَجَعَ النَّاسُ إِلَّا وَالْأُسَارَى فِي الْحِبَالِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقِيلَ: بَلْ أَقْبَلَ شَيْءٌ أَسْوَدُ مِنَ السَّمَاءِ مِثْلُ الْبِجَادِ حَتَّى سَقَطَ بَيْنَ الْقَوْمِ، فَإِذَا نَمْلٌ أَسْوَدُ مَبْثُوثٌ، فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ.
وَلَمَّا انْهَزَمَتْ هَوَازِنُ قُتِلَ مِنْ ثَقِيفٍ وَبَنِي مَالِكٍ سَبْعُونَ رَجُلًا، فَأَمَّا الْأَخْلَافُ مِنْ ثَقِيفٍ فَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ غَيْرُ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُمُ انْهَزَمُوا سَرِيعًا. وَقَصَدَ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ الطَّائِفَ وَمَعَهُمْ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَاتَّبَعَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَهُمْ، فَأَدْرَكَ رَبِيعَةُ بْنُ يَرْبُوعٍ السُّلَمِيُّ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي شِجَارٍ لِكِبَرِهِ، وَأَنَاخَ بِعِيرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute