فَارْعَوَوْا وَرَجَعُوا عَنْهُ فِيمَا ادَّعَوْا عَلَيْهِ مِنْ كَسْرِهَا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالُوا: لَقَدْ ظَلَمْنَاهُ وَمَا نَرَاهُ إِلَّا كَمَا قَالَ. ثُمَّ قَالُوا، وَعَرَفُوا أَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَبْطِشُ: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: ٦٥] ، أَيْ لَا يَتَكَلَّمُونَ، فَتُخْبِرُنَا مَنْ صَنَعَ هَذَا بِهَا وَمَا تَبْطِشُ بِالْأَيْدِي فَنُصَدِّقُكَ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} [الأنبياء: ٦٥] فِي الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ لِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ عِنْدَ قَوْلِهِمْ " مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ": {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: ٦٦]
ثُمَّ إِنَّ نُمْرُودَ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: أَرَأَيْتَ إِلَهَكَ الَّذِي تَعْبُدُ وَتَدْعُو إِلَى عِبَادَتِهِ مَا هُوَ؟ قَالَ: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: ٢٥٨] . قَالَ نُمْرُودُ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: آخُذُ رَجُلَيْنِ قَدِ اسْتَوْجَبَا الْقَتْلَ فَأَقْتُلُ أَحَدَهُمَا فَأَكُونُ قَدْ أَمَتُّهُ، وَأَعْفُو عَنِ الْآخَرِ فَأَكُونُ قَدْ أَحْيَيْتُهُ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ} [البقرة: ٢٥٨] عِنْدَ ذَلِكَ نُمْرُودُ وَلَمْ يُرْجِعْ إِلَيْهِ شَيْئًا. ثُمَّ إِنَّهُ وَأَصْحَابَهُ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالُوا: {حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء: ٦٨]
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَشَارَ بِتَحْرِيقِهِ رَجُلٌ مِنْ أَعْرَابِ فَارِسَ، قِيلَ لَهُ: وَلِلْفُرْسِ أَعْرَابٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، الْأَكْرَادُ هُمْ أَعْرَابُهُمْ. قِيلَ: كَانَ اسْمُهُ هِيزَنَ فَخُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
فَأَمَرَ نُمْرُودُ بِجَمْعِ الْحَطَبِ مِنْ أَصْنَافِ الْخَشَبِ حَتَّى إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتَنْذُرُ بِـ: إِنْ بَلَغَتْ مَا تَطْلُبُ لَتَحْتَطِبَ لِنَارِ إِبْرَاهِيمَ، حَتَّى إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ فِيهَا قَدَّمُوهُ، وَأَشْعَلُوا النَّارَ حَتَّى إِنْ كَانَتِ الطَّيْرُ لَتَمُرُّ بِهَا فَتَحْتَرِقُ مِنْ شِدَّتِهَا وَحَرِّهَا، فَلَمَّا أَجْمَعُوا لِقَذْفِهِ فِيهَا صَاحَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ إِلَى اللَّهِ صَيْحَةً وَاحِدَةً: أَيْ رَبَّنَا! إِبْرَاهِيمُ، لَيْسَ فِي أَرْضِكَ مَنْ يَعْبُدُكَ غَيْرُهُ يُحْرَقُ بِالنَّارِ فِيكَ فَأْذَنْ لَنَا فِي نَصْرِهِ! قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِ اسْتَغَاثَ بِشَيْءٍ مِنْكُمْ فَلْيَنْصُرْهُ وَإِنْ لَمْ يَدْعُ غَيْرِي فَأَنَا لَهُ. فَلَمَّا رَفَعُوهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute