رَأْسِ الْبُنْيَانِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْوَاحِدُ فِي السَّمَاءِ وَأَنْتَ الْوَاحِدُ فِي الْأَرْضِ، حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَعَرَضَ لَهُ جَبْرَائِيلُ وَهُوَ يُوثَقُ فَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ يَا إِبْرَاهِيمُ؟ قَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا. فَقَذَفُوهُ فِي النَّارِ فَنَادَاهَا، فَقَالَ: {يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: ٦٩] . وَقِيلَ: نَادَاهَا جَبْرَائِيلُ، فَلَوْ لَمْ يَتْبَعْ بَرْدَهَا سَلَامٌ لَمَاتَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ شِدَّةِ بَرْدِهَا، فَلَمْ يَبْقَ يَوْمَئِذٍ نَارٌ إِلَّا طُفِئَتْ ظَنَّتْ أَنَّهَا هِيَ. وَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكَ الظِّلِّ فِي صُورَةِ إِبْرَاهِيمَ فَقَعَدَ فِيهَا إِلَى جَنْبِهِ يُؤْنِسُهُ.
فَمَكَثَ نُمْرُودُ أَيَّامًا لَا يَشُكُّ أَنَّ النَّارَ قَدْ أَكَلَتْ إِبْرَاهِيمَ، فَرَأَى كَأَنَّهُ نَظَرَ فِيهَا وَهِيَ تُحْرِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَإِبْرَاهِيمُ جَالِسٌ إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِثْلُهُ. فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ كَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَيٌّ وَلَقَدْ شُبِّهَ عَلَيَّ، ابْنُوا لِي صَرْحًا يُشْرِفُ بِي عَلَى النَّارِ، فَبَنَوْا لَهُ وَأَشْرَفَ مِنْهُ فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ جَالِسًا وَإِلَى جَانِبِهِ رَجُلٌ فِي صُورَتِهِ، فَنَادَاهُ نُمْرُودُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، كَبِيرٌ إِلَهُكَ الَّذِي بَلَغَتْ قُدْرَتُهُ وَعِزَّتُهُ أَنْ حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَا أَرَى، هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَتَخْشَى إِنْ أَقَمْتَ فِيهَا أَنْ تَضُرَّكَ؟ قَالَ: لَا. فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ فَخَرَجَ مِنْهَا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتُ مَعَكَ مِثْلَ صُورَتِكَ؟ قَالَ: ذَلِكَ مَلَكُ الظِّلِّ أَرْسَلَهُ إِلَيَّ رَبِّي لِيُؤْنِسَنِي. قَالَ نُمْرُودُ: إِنِّي مُقَرِّبٌ مِنْ إِلَهِكَ قُرْبَانًا لِمَا رَأَيْتُ مِنْ قُدْرَتِهِ وَعِزَّتِهِ وَمَا صَنَعَ بِكَ حِينَ أَبَيْتَ إِلَّا عِبَادَتَهُ.
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذًا لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْكَ مَا كُنْتَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِكَ. فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، لَا أَسْتَطِيعُ تَرْكَ مُلْكِي. وَقَرَّبَ أَرْبَعَةَ آلَافِ بَقَرَةٍ وَكَفَّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَمَنَعَهُ اللَّهُ مِنْهُ. وَآمَنَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ حِينَ رَأَوْا مَا صَنَعَ اللَّهُ بِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ نُمْرُودَ وَمَلَئِهِمْ، وَآمَنَ لَهُ لُوطُ بْنُ هَارَانَ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ لَهُمْ أَخٌ ثَالِثٌ يُقَالُ لَهُ نَاخُورُ بْنُ تَارِخَ، وَهُوَ أَبُو بِتْوِيلَ، وَبِتْوِيلُ أَبُو لَابَانَ وَأَبُو رَبْقَا امْرَأَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أُمِّ يَعْقُوبَ، وَلَابَانُ أَبُو لَيَّا وَرَاحِيلَ زَوْجَتَيْ يَعْقُوبَ. وَآمَنَتْ بِهِ سَارَةُ، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute